[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
استمتعت كثيرا وأنا أقرأ قصة قصيرة بعنوان «عودة « للكاتبة التركية المبدعة سعاد درويش ( 1905 - 1972)، وقد نشرت ضمن مجموعة قصص لكاتبات تركيات ضمن سلسلة إبداعات نسائية، وترجمها صفوان عمر الشلبي، وقبل الحديث عن القصة والقضية لا بد من الإشادة بالترجمة الراقية التي لا تشعر وأنت تطالع قصص المجموعة أنك تقرأ ترجمة بل أن ما تقرأه مكتوب باللغة الحية، فكان لا بد من الإشارة لذلك.
ربما، أقول ربما قد اصابتنا انواع من الحساسية السلبية بسبب الفوضى والضوضاء السياسية وازدياد العتمة وتراجع مساحات الضوء والنور في حياة هذه الأمة، فأصبحنا نشعر بالكثير من الأحداث والوقائع والقصص وكأنها انعكاس لواقعنا اليومي المرير والتعيس ايضا.
في قصة العودة، تشعر أن الغد الذي نرقب قدومه حتى وإن طال هذا الانتظار قد يتشابه كثيرا مع موضوعة هذه القصة الجميلة.
سيدة ترقب زيارة شخص فارقته منذ ستة عشر عاما عندما كانت في سن المراهقة، ورغم زواجها من طبيب ناجح وشخص محترم إلا أنها بقيت تنتظر لقاء ذلك الشخص الذي تعلقت به، لقد سافر في يوم شتوي، ملبّد بالغيوم، لكن بلا ثلوج كهذا اليوم، لقد بكت صبيحة كثيرا وهي تراقب من نافذة البيت المطلة على البحر، الباخرة التي أقلته، كانت ترتعش كلما تذكرت ذلك اليوم، وقد كان ذلك الأشد حزنا في حياتها، ولاتنساه أبدا.
لقد كان دانيال في ذلك الوقت، ما بين الخامسة والثلاثين والأربعين من عمره، تعجب به كل النساء ويملن إليه.
عاشت صبيحة ساعات انتظار لا مثيل لها خاصة بعد أن تسلمت برقية تؤكد قدومه في اليوم التالي، اما زوجها الطبيب فقد تبرع باستقباله في الميناء إلا أن صبيحة رفضت ذلك وقالت له لديك غدا استشارة طبية، وما زاد من قلق الزوج واضطرابه قول صبيحة بأن الضيف سيعيش عندهم في البيت لأنه لا يعرف احد في المدينة.
تنتظر صبيحة نزوله من الباخرة على احرّ من الجمر كما يقولون، وكان جميع من على السفينة في هرج ومرج، إلا رجلا بدينا ومسنا من بين الركاب ينظر بحيرة، وقد أمال قبعته إلى الخلف قليلا كاشفا عن رأسه الأصلع، وقد وقعت عيناها على ذلك الرجل المسن، يا للسخرية .. شعرت صبيحة برغبة بالضحك والبكاء في ان معا.
لقد عانى كثيرا ليصعد العربة دون أن يثني قدمه، قال ساعيا إبداء الأعذار للمرأة الشابة التي أحبها في الماضي بجنون وأحبته كثيرا:
أنا مصاب بالروماتيزم.
تأملت صبيحة تلك اللحظات واستغرقت عميقا، قالت له:
دع عوني- زوجها- يعالجك، لقد عالج العم شكري أيضا.
وشعر بالندم لمجيئه وانطلقت العربة.
قد نرى في بعض فضاءات هذه القصة نتفا ضخمة في واقعنا الذي نعيش، وقد نرسم امالا كبيرة في غابة مخيلتنا لكن نصطدم بواقع مؤلم آخر.