إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
إن المداومة على الذكر تحيي القلوب وتوقظها، وتبعث الطمأنينة والسكينة في النفوس، وتورث أصحابها حالة من الرضا والأنس وهدوء البال، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد ـ 28). تأتي أهمية الذكر من كونه الرافد الدائم، للمخزون الإيماني، والمحرك الموقظ لدواعي الطاعة، والحصن الذي يلوذ به المؤمن حينما تداهمه المصائب، وتعترضه عقبات الطريق، ويقعده طائف الشيطان ولماته، إن العبد حينما يكون ذاكرا لله في كل أحيانه قد شغل نفسه وألزمها بأذكار وأوراد من تسبيح وتحميد وتهليل وصلاة على الرسول (صلى الله عـليه وسـلـم)، ومداومة على المسنون من الأذكار فإن ذلك يبقي قلبه حياً، ويديم إيمانه نضراً يقظاً، فإذا ما اعترته أهواء النفس البشرية التي بين جنبيه، أو اجتابته الشياطين التي لا تفتر عن محاربته وعداوته، انتفض ذلك القلب الذاكر شامخاً بإيمانه، مستعلياً على شهوات نفسه، مدافعاً لنفثات الشيطان وهمزاته.عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه: قال رسول الله (صلى الله عـليه وسـلـم): (ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ذكر الله عز وجل رواه أحم، وفي صحيح البخاري عن أبي موسى، عن النبي (صلى الله عـليه وسـلـم) قال: (مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت(.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عـليه وسـلـم): (يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)، وقد قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب ـ 41)، وقال تعالى:(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ) (الأحزاب ـ 35)، أي: (كثيراً). ففيه الأمر بالذكر بالكثرة والشدة لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين.
وقال أبو الدرداء ـ رضي الله تعالى عنه:(لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل).
ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء. فإذا ترك الذكر صدئ، فإذا ذكره جلاه، وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
قال تعالى:(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا))الكهف ـ 28 (.
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك.
* من فوائد الذكر:
أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، وأنه يرضي الرحمن عز وجل، وأنه يزيل الهم والغم عن القلب، وأنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، وأنه يقوي القلب والبدن، وأنه ينور الوجه والقلب، وأنه يجلب الرزق، وأنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة، وأنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام، وأنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان، وأنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عزوجل، وأنه يورثه القرب منه، وأنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة، وأنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله، وأنه يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى):فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ))البقرة ـ 125)، وأنه يورث حياة القلب، وأنه قوة القلب والروح، وأنه يورث جلاء القلب من صدئه، وأنه يحط الخطايا ويذهبها، فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات، وأنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وأن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده، يذكر بصاحبه عند الشدة، وأن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة، وأنه منجاة من عذاب الله تعالى، وأنه سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر، وأنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل، وأن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، وأنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة، وأن الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين، وأنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها، وأن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال، وأن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، وأنه ليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله،وأن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط، وأن الذكر رأس الأمور، فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل، وأن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز وجل، وأن الذكر يجمع المتفرق، ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد، ويبعد القريب. فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته، وهمومه وغمومه، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات على فوات حظوظه ومطالبه، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره، ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان، وأما تقريبه البعيد فإنه يقرب إليه الآخرة، ويبعد القريب إليه وهي الدنيا، وأن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سباته، وأن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون، وأن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق، وأن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل، وأن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره، وأن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره، وأن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، وأن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، وأن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها والغفلة أصل معاداته ورأسها، وأنه جلاب للنعم، دافع للنقم بإذن الله، وأنه يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر، وأن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة، وأن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ليس لهم مجالس إلا هي، وأن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته، وأن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية أو مالية، أو بدنية مالية، وأن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها، وأن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها ويؤمنه، وأن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطيق فعله بدونه، وأن الذاكرين الله كثيراً هم السابقون من بين عمال الآخرة، وأن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، ومن صدقه الله تعالى رجي له أن يحشر مع الصادقين، وأن دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء، وأن الذكر سد بين العبد وبين جهنم، وأن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق، وأن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب، وأن الجبال والقفار تتباهي وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها، وأن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق، وأن للذكر لذة عظيمه من بين الأعمال الصالحة لا تشبهها لذة، وأن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن الأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.