ما حكم زيارة القبور والدعاء للموتى؟
زيارة القبور شرعت أو أبيحت لأجل تذكر الآخرة وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلّم) نهى أولاً عن زيارتها عندما كان الناس جديدي عهد بالجاهلية حتى لا يحملوا معهم أوزاراً من عادات أهل الجاهلية وهم يزورون هذه القبور، فحذر النبي (صلى الله عليه وسلّم) أولاً من زيارتها، ثم قال:(ألا فزوروها ولا تقولوا هُجرا).
ولا حرج في أن يدعو الإنسان لمن زاره من أهل الصلاح والخير كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلّم).
أما أن يتخذ ذلك موسماً أو أن يجعل القبر مكان عبادة بحيث يصلي هنالك أو يقرأ القرآن هنالك فذلك غير سائغ، فإن الصلاة نهى النبي (صلى الله عليه وسلّم) عنها عند المقابر.
وكذلك شدد النبي (صلى الله عليه وسلّم) في أمر القرآن حيث أمر أن يقرأ القرآن في البيوت وأن لا تتخذ قبورا إشارة إلى أن القبور ليست مكاناً لتلاوة القرآن الكريم ، كما أنه شدد في اتخاذ القبور مساجد.

ذكرتم سماحة الشيخ سببين لقصور المسلمين وهي أنهم لم يفهموا كتاب ربهم ولم يستوعبوه أو أنهم فهموه ولم يطبقوه، هل ترون أن هذين السببين فقط أم أن هناك أسباباً أخرى بحاجة على إعادة صياغتها من جديد؟
حقيقة الأمر القرآن الكريم اتُخذ مع الأسف الشديد وسيلة للتسلي، والأمة الإسلامية تقرأ القرآن كما تقرأ الشعر من أجل أن تتسلى به ، وهذا أمر فيه خطورة كبيرة.
الله تبارك وتعالى يقول:(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد ـ 24)، إنما الأمة الإسلامية مطالبة بأن تتدبر القرآن، بحيث إنها تحرص على تأمله آية آية وجملة جملة وكلمة كلمة وحرفاً حرفاً.
عندما يتدبر الإنسان القرآن الكريم تتفتح له آفاق واسعة، آفاق معرفية، آفاق في الدنيا وفي الآخرة، آفاق في عالم الروح وفي عالم الجسم، آفاق في العالم المعنوي وفي العالم المادي، هذا كله إنما يكون بتأمل الإنسان لكتاب الله تبارك وتعالى.
كتاب الله سبحانه وتعالى أنزله الله تعالى هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمعنى هذا عندما يقرأه الإنسان لا يقرأه لأجل أن يتسلى بقراءته، وإنما يقرأه لأجل أن يتدبر ما فيه، ويمعن النظر في أوامره وتوجيهاته ونصائحه وإرشاداته.
الإنسان طاقة عظيمة، الله تبارك وتعالى اختزل فيه مع صغر حجمه العالم بأسره، هو العالم الأصغر، فالعالم الأكبر منطوٍ في هذا العالم الأصغر، في هذا الإنسان، ولكن يهدر الإنسان هذه الطاقات العظيمة التي مُنحها.
وإنما القرآن الكريم جاء من أجل تفجير هذه الطاقات العظيمة ، جاء من أجل وصل هذا الإنسان بهذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف .
الله تبارك وتعالى يمتن على الإنسان بنعم جُلى في كتابه الكريم يقول سبحانه وتعالى كما ذكرت من قبل ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: من الآية29) ، معنى ذلك أن كل ما الأرض إنما هو مخلوق للإنسان ، وهذا واضح من خلال التسخير ، ففي هذا الكون الأرضي حيوانات تشارك الإنسان الحياة والوجود في هذه الأرض ، وهي تفوق الإنسان بكثير ، بعضها أعظم حجما من الإنسان بأضعاف مضاعفة ، وبعضها أقوى قوة من الإنسان بأضعاف مضاعفة، وبعضها أشد إقداماً من الإنسان ، ولكن مع ذلك سخرت هذه الحيوانات للإنسانية.
نجد أن الإنسان استطاع أن يستخرج الحيوانات من عمق البحار، واستطاع أن يأتي بالحيوانات من القفار، جاء بالأسد من الغاب وجاء بالفيل وجاء بغيرها من الحيوانات وسخرها له، بينما هذه الحيوانات كلها لم تأخذ الإنسان إليها لتسخره لمنافعها وتستخدمه في مصالحها، لا بل الحيوانات هي قاصرة عن ذلك، عاجزة عن ذلك، هذا دليل على أن الإنسان أوتي طاقات، وأن ما في الكون إنما هو مسخر له.
ومع هذا يمتن الله تبارك وتعالى علينا بأنه سخر لنا ما في الكون بأسره (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه)(الجاثـية ـ 13)، فإذا استطاع الإنسان أن يتصرف في أي شيء مما يوجد في هذا الكون لمصلحته فليتصرف لأن الكون كله مسخر له.
ومع هذا نجد أيضاً أن القرآن الكريم يأخذ بالعقل البشري ليطوف به في آفاق هذا الكون، يطوف به في أرجائه ويربط ذلك بالعقيدة عقيدة التوحيد، الله تبارك وتعالى يقول:(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة 163 ـ 164).
وكم من آية جاء فيها (أفلم يسيروا في الأرض)، كم من آية جاء فيها دعوة الإنسان إلى السير في الأرض والإمعان وأخذ العبر والدروس من أحوال الأمم السابقة، في نهضتها وعثرتها، في حياتها وموتها، في بقائها واضمحلالها كل من ذلك فيه عبر لأولي الألباب من أجل أن يستفيد الإنسان لأن حياة البشر حياة اجتماعية، والإنسان كائن اجتماعي، وسنن الله تبارك وتعالى في هذه الحياة البشرية لا تتبدل (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب ـ 62) ، سنة الله لا تتحول ، جعلها الله تبارك وتعالى في الأمم المتعاقبة هكذا.
فعلى الإنسان أن يعتبر بأسباب النهوض والكبوة، بأسباب النجاح والفشل، بأسباب التقدم والتأخر، بأسباب الرقي والانحطاط، كل من ذلك على الإنسان أن يعتبر به ، والقرآن الكريم يحث على هذا.
ثم إن القرآن الكريم كذلك يكشف للإنسان أغوار وجوده بنفسه، أغوار طبعه التي لم يكن الإنسان على دراية بها، يكشف للإنسان أبعاد هذا الكون من خلال ما يخبر به عن نظام الكائنات، كل ذلك مما يدعو إلى الاعتبار.
فما لهذه الأمة وقد تأخرت، هذا دليل على أنها لم تأخذ بالقرآن الكريم على أنه كتاب هداية، وإنما اكتفت على أن يكون كتاب تسلية وإلا لكان وضع الأمة غير هذا الوضع الذي نراها عليه اليوم.