[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
”تبقى المشكلة الحقيقية وهي استمرار أثيوبيا في عملية بناء السد غير عابئة بأي مفاوضات، حيث تعلم جيدا أن مشروعها تم بالمخالفة للاتفاقيات الدولية المعنية بالأنهار، وهنا يمكن الاستعانة بمحكمة العدل الدولية لإصدار فتوى لوقف عملية البناء بشكل أولي لحين الانتهاء من المباحثات وحسم الجدل الدائر.”

بعد توقيع مصر والسودان وأثيوبيا على وثيقة الخرطوم مساء الثلاثاء الماضي هل تهدئ مخاوف مصر من بناء سد النهضة الأثيوبي؟!.. لقد أسفرت جولة المفاوضات التي جرت في الخرطوم بين وزراء خارجية ومياه الدول الثلاث عن ما أطلق عليه "وثيقة الخرطوم" التي جاءت ثمرة جلسات استمرت على مدى ثلاثة أيام من الجلسات المغلقة، حددت آليات العمل خلال المرحلة المقبلة لحل الخلافات حول سد النهضة الأثيوبي.
الوثيقة أكدت على الالتزام الكامل بوثيقة إعلان المبادئ التي وقع عليها رؤساء الدول الثلاث في مارس الماضي بالخرطوم، وتحديد مدة زمنية لتنفيذ دراسات سد النهضة في مدة تتراوح ما بين 5 أشهر إلى عام، واختيار شركة "ارتيليا" الفرنسية لمشاركة مكتب "بي آر ال" الفرنسي للقيام بهذه الدراسات.. والتزام أثيوبيا الكامل بما تضمنته الاتفاقية في البند الخامس في إعلان المبادئ والخاصة بالملء الأول والتشغيل، بناء على نتائج الدراسات وفقًا للاتفاقية الكبرى التي وقعها رؤساء الدول الثلاث في مارس الماضي بالخرطوم.. وتشكيل لجنة فنية لبحث إمكانية زيادة عدد الفتحات الإضافية التي طلبتها مصر، وإذا ما انتهت اللجنة أن هذه الفتحات حيوية سيتم الالتزام بها، وهذه اللجنة ستشكل من "فنيين" الدول الثلاثة خلال أسبوع وسيجتمعون في أول يناير بأديس أبابا وسيقدم تقريره للاجتماع السداسي المقبل، وإذا ما كانت هذه الفتحات حيوية وضرورية من الناحية الفنية سيتم تطبيقها لتؤمن الأمن المائي المصري.. واستمرار عمل اللجنة السداسية على مستوى وزراء الخارجية والري وبحث الطلب المصري بزيادة فتحات سد النهضة لزيادة التدفقات المائية إلى النيل الأزرق خاصة في فترة انخفاض المناسيب.. هذا هو كل ما أشارت إليه "وثيقة الخرطوم" التي خلت في نفس الوقت من أي إشارة تلزم أديس أبابا بوقف بناء السد الذي أكملت 55 في المئة من بنائه لحين إعلان نتائج دراسات المكتب الاستشاري التي تستغرق عاما كاملا حسب ما أكدته "وثيقة الخرطوم".
وفي المقابل وكبادرة لحسن النية تقدمت أثيوبيا بدعوة رسمية للسودان ومصر لزيارة سد النهضة من قبل الإعلاميين والبرلمانيين والدبلوماسية الشعبية، وكذلك الفنيين لتفقد الوضع في إطار المتابعة والشفافية تأكيدا لحسن نواياها في إطار بناء الثقة بين الدول الثلاث، وهو ما اعتبره الخبراء ليس حلا كافيا لمعرفة خطورة السد على مياه نهر النيل.. فيما يرى البعض أن الوفد الذي ينبغي أن يذهب إلى العاصمة الأثيوبية يجب أن يضم خبراء في ملفي الري والمياه والسدود للتعرف على خطورة السد على حصة المياه، والتأكد بأن حصة مصر التي تتضمن 55 مليار متر مكعب لن تقل مترا واحدا.. في حين يرى البعض الآخر أن فكرة تشكيل وفود برلمانية ليست مجدية وحدثت في فترات سابقة ولم تأتِ بنتيجة.
وهناك من يرى أن مسألة اللجوء إلى التحكيم الدولي في قضية سد النهضة باتت ضرورية خاصة بعد قيام أثيوبيا بتحويل مجرى النيل باتجاه السد لكنها تحتاج إلى دراسات عميقة حول النتائج التي ستترتب على الحكم إلى جانب ضرورة موافقة الطرفين على اللجوء للتحكيم الدولي من عدمه.
وفي اعتقادي هناك مجموعة سبل يمكن أن تسلكها مصر للحفاظ على حقها في مياه النيل وحسم قضية سد النهضة لصالحها أولها الاستعانة بمجلس الأمن الدولي واستغلال وجود مصر ضمن أعضائه غير الدائمين كوسيلة ضغط على الجانب الأثيوبي لدعوة الأطراف المتنازعة للتشاور من جديد، خاصة وأن مجال التحكيم الدولي لن يسفر عن نتائج فعالة إلا في حالة ارتضاء الجانبين اللجوء إليه، وهو ما سترفضه أثيوبيا.. أيضا التفاوض مع الجهات الممولة لسد النهضة لوقف عملية التمويل حماية للحق المصري خاصة وأن المشروع يمثل خطرا حقيقيا على الأمن القومي المصري.
تبقى المشكلة الحقيقية وهي استمرار أثيوبيا في عملية بناء السد غير عابئة بأي مفاوضات، حيث تعلم جيدا أن مشروعها تم بالمخالفة للاتفاقيات الدولية المعنية بالأنهار، وهنا يمكن الاستعانة بمحكمة العدل الدولية لإصدار فتوى لوقف عملية البناء بشكل أولي لحين الانتهاء من المباحثات وحسم الجدل الدائر. كما أن مصر لديها من الاتفاقيات الدولية ما يحفظ حقها في مياه النيل وبشكل لا يتعارض مع مصالح الدول الأخرى ومشاريعهم التنموية؛ لذا يجب الرجوع لها كما يجب مشاركة خبراء القانون الدولي في الملف بدلا من الاكتفاء بعدد من الدبلوماسيين المتابعين للقضية.
وعن الخطوات التي يمكن أن يتخذها الجانب المصري في الوقت الحالي يمكن الاستعانة بخبراء القانون الدولي بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي لعقد مفاوضات موسعة مع الجانب الأثيوبي.. وفي حالة فشلها يتم الاستعانة بطرف آخر كوسيط مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي، وفي حالة الفشل لن يصبح أمام مصر سوى باب اللجوء لمحكمة العدل الدولية بشرط موافقة أثيوبيا، وهنا سيصبح دورها استشاريا لا يخلو من الأثر القانوني، وأخيرا يمكن اللجوء لمجلس الأمن الدولي بحجة أن ما تفعله أثيوبيا يضر ويهدد السلم والأمن الإقليمي مع الاحتفاظ بالاتفاقيات التي وقع عليها الجانب المصري وتنص على مبدأ حسن النية الذي يقتضي عدم الإضرار بمصالح الآخرين، وتعطي لمصر حق الحفاظ على حقوقها المائية.