رحل عنا عام 2015 بأفراحه وأتراحه على المنطقة والعالم من حولنا، ولا ريب أنه قد شهد من المتاعب أكثر مما ترك من الذكريات الطيبة بالنسبة لشعوب عديدة مع بروز ظواهر لم تكن مألوفة من قبل، ومظاهر الخراب والدمار والقتل والإرهاب التي جاء بها الربيع المزعوم المسمى زورًا "الربيع العربي". لكن يظل الناس دائمًا في مثل هذه الساعات الفاصلة بين عام وعام متمسكين بالأمل في أن يأتي العام الجديد (2016) بما هو أفضل لمن عانوا ولا يزالون، وبمزيد من الخير لمن فازوا خلاله بمميزات أو حققوا فيه إنجازات.
فنحن في السلطنة نعيش ـ ولله الحمد والمنة ـ عامًا من أعوام التحول النهضوي الحديث، وكل عام يأتي يشكل إضافة بنائية لهيكل الحضارة العمانية الحديثة النابعة من برامج النهضة المباركة التي فجر طاقاتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ومن ثم فإن كل عام يأتي منذ فجر النهضة في العام 1970 هو بمثابة وعاء يحمل المزيد من الإنجازات، ويضيف لمسة إلى وجه عُمان المشرق ليزداد إشراقًا، ويكرس واقعًا ينعم بالأمن والسلام والطمأنينة. فمناخ السلام والأمن هو الأرضية التي لا بد منها لتنهض على ترابها صروح النهضة وتترسخ إنجازاتها عامًا بعد عام، ويضاف إلى رصيدنا الحضاري صفحات جديدة في كتاب الزمن حتى تأتي الأجيال القادمة محملة بشعور الفخر والاعتزاز لما أنجزه الأولون، وليجدوا بنية أساسية قوية راسخة يقيمون عليها ما يستجد من مشروعات تنموية تتناسب وروح العصور القادمة.
لقد سجل العام الماضي محطات حفرت عميقًا في التاريخ المجيد لعُمان والدور الحضاري الذي تلعبه على مر السنين، بدءًا من العودة الميمونة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى أرض الوطن مكللًا بالصحة والعافية من جمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث عانقت تلك العودة الوجدان وصافحت القلوب، ناثرة عبير الفرحة الغامرة برؤية القائد الماجد الخالد في قلوب وعقول أبناء عُمان الأوفياء، والتي (أي الفرحة) عبَّر عنها العمانيون بألوان امتزجت بدموع الفرح والدعاء والسجود لله شكرًا، لتتوالى المحطات الوطنية في حب الوطن وقائده المفدى بترؤس جلالته ـ أبقاه الله ـ مجلس الوزراء في بيت البركة العامر، ثم تفضل جلالته بوضع حجر الأساس لمشروع "متحف عُمان عبر الزمان" بولاية منح بمحافظة الداخلية، وتفضله ـ أيده الله ـ بإلقاء كلمته السامية في افتتاح الفترة السادسة لمجلس عُمان والتي شدد فيها على أهمية تضافر الجهود وتكاتفها في سبيل خدمة هذا الوطن، لتعيش بعدها عُمان بأسرها أفراحًا غامرةً باحتفالاتها بالعيد الوطني الخامس والأربعين المجيد، بدءًا بالعرض العسكري في ميدان حصن الشموخ بولاية منح تحت الرعاية السامية لجلالة السلطان المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ حفظه الله ورعاه ـ ثم احتفالات محافظات السلطنة وولاياتها، فقد كانت احتفالات تليق بمكانة المناسبة ويخلدها في التاريخ، حيث عمَّت الفرحة كل البلاد وعبَّر المواطنون في كل موقع عن مشاعرهم الفياضة تجاه النهضة المباركة وسط مزيد من الإنجازات التي زادت من تميز المناسبة كافتتاح مطار صلالة وافتتاح المتحف الوطني. كما كان اختيار نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2015 وفعاليات الاحتفال بذلك اعترافًا بدور السلطنة الحضاري والتاريخي، واعترافًا تقديرًا لإسهامات نزوى في ذلك على مر التاريخ، حيث شهدت الفعاليات افتتاح مركز نزوى الثقافي. ولأن أركان نهضتنا قد غدت راسخة الأركان، لذلك فالأمل كبير في استمرار المسيرة في طريق التطور والازدهار.
أما على الصعيد الخارجي فقد قدمت السلطنة من خلال سياستها الحكيمة شهادة استحقاقها وتقديرها كسياسة ناضجة وناجحة وعقلانية، عبر دورها الفعال في حلحلة القضايا الساخنة والعالقة، وتقريب وجهات النظر والتي يأتي في مقدمتها الملف النووي الإيراني ونزع فتيل الأزمة والمواجهة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى وتقريب وجهات النظر التي قادت إلى انطلاق المفاوضات بين إيران والمجموعة الدولية المعروفة بـ"5+1" لتنتهي بالتوقيع التاريخي على الاتفاق النووي. وكذلك الملف اليمني والملف السوري حيث لا تزال السلطنة تواصل بذل جهودها لتجنيب الشعبين اليمني والسوري ويلات الحرب والدمار، ومساعدة الأطراف المتصارعة على الوصول إلى كلمة سواء وحلول ترضي جميع الأطراف اليمنية والسورية. أما القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى والهم الأول الذي يسترعي انتباه كل الشعوب العربية والإسلامية، فلم تغفل عين السلطنة عن متابعة ممارسات كيان الاحتلال الإسرائيلي وإدانته ودعم الشعب الفلسطيني لنيل حريته وحقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشريف، ومطالبة الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
وفي هذا اليوم أول أيام العام الجديد (2016) نتطلع نحن العمانيون مع شعوب الأرض وخاصة الشعوب العربية والإسلامية إلى أن يكون هذا العام محملًا ببشائر حياة أفضل من سابقه، وأكثر نموًّا وتطورًا وأقل آلامًا ومشاكل وكوارث طبيعية، وبداية انقشاع غيوم الفتن والنزاعات والصراعات والحروب التي لا تزال تغطي سماوات المنطقة، وأن تمارس الشعوب العربية المغلوب على أمرها من قبل الخارج المعادي لها حقها في اختيار قياداتها وتحقيق تطلعاتها، وأن تنال حريتها وأمنها واستقرارها. وكل عام والجميع بخير.