لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا في البعد عن شهوات الدنيا الزائلة.
ولقد زهد الصحابة أيضاً رضي الله تعالى عنهم, في شهوات الدنيا الفانية مع أنها تقرّبت منهم لكنهم علموا أنها إلى زوال ولن يبقى منها إلا العمل الصالح فنجح الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في أن يجعلوا الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم ولذلك من أقوال سيدنا علي كرّم الله وجهه للدنيا قوله( يا دنيا غرّي غيري) وهذا أبو بكر الصّديق رضي الله عنه الذي فُتحت في عهده بلاد الروم وبعض بلاد فارس , وكثرت الغنائم وفاضت الأموال , ورغم كل هذا مات رضي الله عنه ولم يترك في بيته كثير من المال وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرج الإمام أحمد في المسند عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : مات أبو بكر رضي الله عنه فما ترك ديناراً ولا درهما وكان قد أخذ قبل ذلك ماله ,فألقاه في بيت المال ,وهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي في عصره فتح الفتوحات الكبيرة والعظيمة ومع هذا كان طعامه الملح والزيت والخل ولباسه الصوف الغليظ . جاء في طبقات ابن سعد عن أبي حازم قال: دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حفصة ابنته رضي الله عنها فقدّمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً , وصبّت في المرق زيتاً ,فقال : أُدمان في إناء واحد؟ لا أذوقه حتى ألقى الله تعالى ) وكذلك كان الإمام على كرّم الله وجهه , وكذلك كان عثمان بن عفان رضي الله عن الجميع. أذكر هنا موقف لسيدنا على رضى الله عنه فلقد أُوتي بالفالوذج , وهو نوع من الحلوى , فقد أُتي به ووُضِع بين يديه فقال : إنك طيّب الريح , حسن اللون , طيب الطعم , لكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتده .الله أكبر ما أعظم هؤلاء الأوائل بالفعل كانوا قادة وسادة واقتدوا بحبيبهم خير الخلق صلى الله عليه وسلم فنجحوا وخرجوا من الدنيا على خير واستقبلتهم جنة عرضها السموات والأرض , اللهم احشرنا مهم يارب العالمين. واجعلنا يا رب من عبادك المخلصين الزاهدين في هذه الدنيا الفانية التي لا قيمة لها إلا بعمل الصالحات فيها .
وهذا سعيد بن عامر الزاهد يوصي عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه فقال : يا عمر: أوصيك أن تخشى الله في الناس , ولا تخشى الناس في الله , وألا يخالف قولك فعلك فإن خير القول ما صدّقه الفعل . يا عمر: أقم وجهك لمن ولاّك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ,وأحب بهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ولا تخف في الله لومة لائم . فقال عمر : يا سعيد ومن يستطيع ذلك ؟ فقال : يستطيعه رجل مثلك ممن ولاّهم الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم , وليس بينه وبين الله أحد , عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيداً إلى مساعدته وقال : يا سعيد إنا مولّوك على أهل حمص فقال يا عمر نشدتك الله أي أستحلفك بالله . ألا تفتنّي . فغضب عمر وقال : ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي , ثم تخليتم عني والله لا أدعك ثم ولاّه على حمص وقال : ألا نفرض لك رزقا ؟ قال: وما أفعل يا أمير المؤمنين ؟ فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ثم مضى إلى حمص وبعد أيام قليلة وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق فيهم , من أهل حمص فقال لهم : اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسدّ حاجتهم , فرفعوا له كتابا فإذا فيه فلان وفلان وسعيد بن عامر فقال : ومن سعيد بن عامر ؟ فقالوا أميرنا قال : أميركم فقير ؟ قالوا : نعم والله إنه لتمر عليه الأيام الطوال , ولا يوقد في بيته نار فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته . ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرّة , وقال : اقرءوا عليه السلام منى وقولوا له : بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال ,لتستعين به على قضاء حاجتك. جاء الوفد لسعيد بالصّرة فنظر إليها , فإذا هي دنانير , فجعل يبعدها عنه وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ,كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب , فهبّت زوجته مذعورة وقالت : ما شأنك يا سعيد ؟ أمات أمير المؤمنين ؟ قال : بل أعظم من ذلك قال : دخلت عليّ الدنيا لتفسد آخرتي , وحلّت الفتنة في بيتي , قالت : تخلّص منها , وهي لا تدري من أمر الدنانير شيئا قال : أو تُعينيني على ذلك ؟ قالت : نعم . فأخذ الدنانير فجعلها في صُرر ثمّ وزعها على فقراء المسلمين والله عندما نقرأ مثل هذه المواقف. يعتقد البعض أن هذه من عجائب الدنيا , وأن هذا غير معقول , ولكنها الحقيقة التي غابت عن الكثير من المسلمين والمسلمات والله ما أحوجنا أن نرجع إلى سيرة السًلف الصالح ونعيش معهم ونقتدي أولا برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من بعده بصحابته الكرام ومعنى هذا أننا لا نقول للمسلم أن يكون فقيرا :كلا بل نقل لمن أعطاه الله تعالى نعمة المال أن لا تشغلك هذه النعمة عن ربك سبحانه وتعالى , بل إن العاقل هو الذي يجعل من ماله ما يقربه إلى ربه سبحانه وتعالى فنعم المال الصالح مع العبد الصالح نسأل الله تعالى أن يرزقنا الزهد وأن يجعلنا من الزاهدين اللهم آمين والحمد لله رب العالمين ..

إبراهيم السيد العربي