إن لقاءات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ومباحثاته مع فخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي يزور بلادنا، تعكس عمق الروابط والعلاقات العمانية ـ الإيرانية وفرادتها، وتعبر عن متانة عُرَى الصداقة ووشائج القربى التي تجمع البلدين الصديقين وشعبيهما، وترسخ المعنى الأصيل للصداقة. وتؤكد في الوقت ذاته على الروابط التاريخية المتينة التي تؤطر هذه العلاقات القائمة على حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتحقيق المصالح المشتركة، مترجمة سمات هذه العلاقات في الرؤية المشتركة لحزمة القضايا الإقليمية والدولية التي تناولتها مباحثات جلالته وضيفه الكبير.
وحين يبرق الحديث عن العلاقات الثنائية بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية من بين خضم الأحداث العاصفة التي تشهدها المنطقة، فإن الحديث يأخذ طابعه الخاص ويأخذ بعديه الزماني والمكاني تبعًا لخصوصية العلاقة، ويتوشح باللون الأبيض تعبيرًا عن نقاء العلاقة وصفائها تبعًا لحالتي النقاء والصفاء التي تتميز بهما قيادتا البلدتين ما مكنهما من بناء الثقة اللازمة في إقامة جسور العلاقات والتواصل، وتذليل الصعوبات وقهر المعيقات، كيف لا؟ والأسباب الجامعة والداعمة كثيرة، سواء تمثلت في الجغرافيا وحق الجوار أو في عقيدة الإسلام السمحة الداعية إلى الإخاء والألفة والمحبة والتواصل والتعاون والوحدة ونبذ بذور الفرقة والتشتت والاختلاف، أو في حركة التغيير وتطورات الحياة وكثرة التحديات إقليميًّا ودوليًّا، أو في لغة المصالح المشتركة، والتي تؤهل هذه العلاقات لمزيد من التنامي على كافة المستويات.
وتأتي فرادة هذه العلاقات من خلال حوافز تاريخية وجغرافية عديدة، والبلدان (السلطنة وإيران) عملا على الحفاظ على الأمن الإقليمي وسعيا معًا إلى حل كافة الصراعات التي تهدد المنطقة بالوسائل السلمية القائمة على الحوار المتوازن والذي يأخذ في حساباته مصالح كل الأطراف وفي إطار من التفهم والعقلانية، كما أن هذا الوضع يؤهل هذه العلاقات أيضًا لأن تكون عنصرًا فعالًا في الحفاظ على السلام العالمي وضمان تدفق موارد الطاقة النفطية التي يشكل الخليج أهم مصادرها إلى كل أسواق العالم، وتحرص السلطنة من جانبها دائمًا على نبذ كل عوامل الفرقة وتعزيز عوامل التلاقي والتفاهم بين كافة دول المنطقة وتعزيز القواسم المشتركة التي تضمن مسيرة الأمن الإقليمي والدولي في طريق الثبات، وطبيعي أن يكون أمن الخليج محل عناية سكانه الذين يصطلون بنار التدخلات الأجنبية التي عملت على الدوام على إشاعة أجواء التوتر في المنطقة عامة والخليج وجيرانه خاصة والتحريض وإثارة الشقاق ونثر بذور الكراهية والفتن الطائفية، وإثارة العداء ومحاولة تصوير طرف بأنه عدو للطرف الآخر.
ما أسهل أن يتحدث الناس أو يبني المحللون السياسيون والاقتصاديون تصورات عن مسائل الاستراتيجية والتوازنات، لكن ما أصعب أن يتم تجاوز أزمة أو تطويق مشكلة، وهنا تتبدى بوضوح حصافة قادة المنطقة وفي مقدمتهم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أثبتت الأحداث الجارية ما يتمتع به جلالته من رجاحة عقل وتقدير للظروف الموضوعية التي تمر بها الدول الشقيقة والصديقة حين تشتد أزمة وتهدد باندلاع حرب.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثلما هي حقيقة تاريخية وجغرافية وجارة، فإنها قوة إقليمية صاعدة عسكريًّا واقتصاديًّا وعلميًّا، ومثلما أسهمت في الحضارة الإنسانية ووضعت بصمتها في تطوير العلوم في الحضارة الإسلامية وأعطت زخمها الذي امتد حتى أوروبا واستفادت منه استفادة كبيرة، بل أخذته بعد أن تخلى عنه المسلمون، فإن الجمهورية الإسلامية لا تزال تسهم في البناء الحضاري والإنساني والإسلامي، ولذلك من يتجاهل هذه القوة ولا يرغب في الاستفادة من منجزاتها الحضارية والعلمية في جميع المجالات، إنما هو مسلوب الإرادة والقدرة، ومرتهن القرار.
ولذلك فإن السلطنة تتطلع من خلال زيارة فخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني إلى مزيد من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والاستثمار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاستفادة من الخبرات الإيرانية.
مرحبًا بالضيف بين أهله وفي بلده الثاني وكعادتها السلطنة تفتح ذراعيها وقلبها لكل من يحمل لها مشاعر الأخوة والصداقة والرغبة في التكامل والتعاون الصادق.