د. عبدالله العمادي
**
أتدري أن الحسد هو أبرز ما دفع إبليس لرفض أمر السجود لآدم عليه السلام ويعصى أمر رب العالمين تحت مبرر أنه مخلوق من نار وآدم من تراب ؟ وهل تشك في أن الحسد هو الذي منع أبا جهل من اتباع دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باعتبار أنه من سادة قريش، حيث الرسالة أوجب أن تنزل عليه هو وليس على محمد بن عبدالله ؟
هكذا إذن يفعل الحسد في النفس إن تمكن منها.. الهلاك ليس غيره. انظر كيف يفعل الحسد في الحاسدين، أصحاب القلوب المريضة. تجدهم لا يهنؤون بعيش ولا يستمتعون بنعمة أنعمها الله عليهم ولو كانوا أغنى أهل الأرض.
تجدهم يريدون المزيد والنعمة الثانية والثالثة والألف من قبل أن يشكروا الواهب على النعمة الأولى.. تجدهم فوق كل ذلك راغبين وطامعين فيما عند الناس أجمع من نعم، حتى لو كانت تلك النعم أقل مما عندهم أو ربما يملكون ، لماذا؟ الجواب هو الحسد ، الذي يدفعهم دفعاً لطلب كل ما عند الغير، ليس حباً في الاقتناء بقدر ما هو رغبة مريضة في ألا يمتلك الغير أي شيء. أليس هذا ما يدعو للشفقة ؟
هذا المرض إن تمكن منك فلن يدعك تهنأ بعيش ولن يدعك تعيش بسلام وأمان لا مع نفسك ولا مع غيرك. ستكون في قلق متواصل، ليلاً ونهاراً، خصوصاً أنه قلق لا مبرر له ولا أحد يطلبه منك. أنت توقع نفسك في هم وتوتر لو تتفكر فيه لحظات قليلة لوجدت أنه لا يستأهل أبداً دقيقة واحدة من حياتك تعيشها على تلك الحالة الكئيبة الكسيفة من العيش!
الحاسد بشكل عام ما يحسد إلا لأنه ضعيف إيمان ، لا يريد أن يتفكر في مسألة الأرزاق وكيف أنها شأن من شؤون الرازق سبحانه ، يوزع أرزاقه على عباده كيفما شاء ولمن شاء ووقتما يشاء، فلماذا نحمل إذاً هذا الهم ، والخالق جل وعلا قد تكفل به ؟ لماذا لا نرضى النعمة للغير وهي ليست من أملاكنا ؟
إن لم تكن ترغب في أن تصل خيراتك للآخرين، فأنت حر في مالك، ولكن ليس من شأنك أن تعبر عن استيائك وحنقك وغضبك وتألمك حينما تنزل نعمة بآخرين ومن مال آخرين، وهي كلها من مال الله أولاً وأخيراً.
من يتفكر في فلسفة الحسد والحاسدين، سيعلم جيداً كم هو سعيد ، وكم هو محظوظ في حياته أنه لا يعرف هذا المرض غير الطبيعي ، عافانا الله جميعاً منه وحفظنا الله وإياكم منه وممن يحمله .. قولوا آمين .