**
شاءت الأقدار أن ألتقي بعائلة من إحدى دول قارة العالم المتقدم والعجوز ومكثت معهم لأشهر حيث إنهم من الأسر التي تستضيف الطلبة الأجانب، عند وصولي لقريتهم الريفية كنت أظن أن المعلومات التي أرسلتها لهم بالبريد الإلكتروني كانت كافية للتعرف عليّ ولكن كنت بالنسبة لهم كائنا مبهما من ناحية البلد التي أنتمي إليها، عند وصولي سألت عن جارتنا سوريا وحدودنا مع إسرائيل عندها عرفت بأنهم يظنوني من عمّان (الأردن)، ومن هنا بدأت رحلة التسويق لعُمان التي كانت اليمن إحدى العلامات التي استخدمتها لشرح الموقع الجغرافي بحكم وضعها غير المستقر وظهورها بين الحين والآخر في نشرات أخبارهم وكذلك دبي بحكم سمعتها التجارية والاقتصادية والإعلانات السياحية التي تبث في برامجهم الصباحية، والسعودية كونها أيقونة الإسلام في العالم، هذا الموقف وغيره من المواقف المشابهة لم يكن سببه التقصير في التسويق فقط ولكن قد يكون قلة ثقافة بعض البشر وعدم اطلاعهم على بلد أصبحت منبرا للسلام في العالم ومشهودا لها بمواقفها السياسية المسالمة.
خطة التسويق التي قدتها خلال فترة مكوثي مع تلك العائلة خرجت بنتيجة جيدة وهي قرارهم زيارة هذه البقعة من الأرض التي كان يحفها الغموض نوعاً ما إلى أن زاروها فكانت المفاجأة، أو في الحقيقة مفاجئتان الأولى جيدة والثانية كانت فضيحة مخلوطة بإحراج، كان الانبهار الأول من برج الصحوة الذي يحكي تاريخ بلد في عدة مجالات بلوحات جميلة مروراً بقلعة نزوى وحصن جبرين والكم الهائل من المعلومات التاريخية التي أتحفها بهم مرشد قلعة نزوى والجهاز الآلي في حصن جبرين حتى وصل بهم الانبهار بالطبيعة لشم رائحة التراب في مسفاة العبريين والانحناء لكرم الناس وأخلاقهم بالترحيب بهم فامتلأت كاميراتهم بمئات الصور وهم في محطتهم الثالثة فقط، وخيم السكوت عليهم في رحلة الصعود إلى قمة الجبل الأخضر ليس خوفاً من ارتفاع الجبل فهم لديهم تجارب لتسلق جبال أعلى منه ولكن الطريق المنفذ بكل احترافية ودقة وما يتضمنه من مخارج الطوارئ جعلهم صامتين طيلة الرحلة إلا من بعض كلمات الدهشة وهنا تذكروا رحلتهم إلى أحد الجبال في الهند والذي كان أعلى من الجبل الأخضر إلا أنهم يقولون ان الحظ نجاهم بأعجوبة بسبب سوء الطريق والحافلة المتهالكة التي استقلوها إلى قمة الجبل وهنا الوضع المختلف تماماً تصعد الجبل وأنت تستمتع بموسيقى مريحة، إلا أن المفاجآت الجميلة أصبحت إحراجا لنا عندما استفسر أحدهم عن مكان دورات المياه في وادي بني خالد وأسعفنا المطعم الوحيد في تلك المنطقة الذي لا يمكن أن تغطي دورة المياه فيه احتياجات الآلاف المتواجدين هناك الذين انتشروا في ذلك المكان دون أن يدفعوا بيسة واحدة فكان من الأولى أن يتم فرض رسوم رمزية مقابل توفير دورات مياه وكذلك نوع من أنواع الدخل للبلد هم يدفعون مبالغ باهظة للسباحة في البرك المائية في بلدانهم وهنا توفر لهم السباحة في برك طبيعية وكذلك تنظيف الأرجل بالأسماك الصغيرة التي لا يحصلون عليها إلا في عيادات متخصصة وبأسعار باهظة والبلد في الوقت الحالي بحاجة إلى تنويع مصادر الدخل والسياحة وسيلة مضمونة لذلك، والوجه الآخر الذي لم يتحدثوا عنه ولكن كنا نقرأ الاستياء على وجوههم كان في رأس الحد حيث السلاحف فكانت اللافتات والموظفون في المحمية يشددون على عدم التصوير وعدم الاقتراب من السلاحف فكان السائحون ملتزمين ولكن أهل البلد رفعوا كاميراتهم وهواتفهم وصوبوها على جسد السلاحف التي بدأت تهرب منهم وكأنها تقول أود أن أغادر لأنكم لم تحترموا ما يزعجني.
واكتملت الفضيحة على شاطئ رأس الحد فبدل من أن يستمتعوا بجمال المكان أحزنهم ما رأوه من بكاء الشاطئ على الحالة التي وصل إليها وبقايا الطيور والحيوانات البحرية التي فارقت الحياة بسبب المخلفات البلاستيكية والعلب المعدنية والزجاجية وغيرها من القاذورات التي تنم على أن من أتى هناك لا يحمل أي شعور بالمسئولية ولا يعرف معنى كلمة نظافة، فما كان منهم إلا أن أفرغوا إحدى حقائبهم ونظفوا ما استطاعوا من الشاطئ فتحولت رحلة الاستماع بجمال المكان إلى حملة تنظيف.
عائلة جاكسون حملت في رحلة عودتها كل ما هو جميل ورائع عن عمان التحفة الرائعة وعن اهلها وكرمهم وأخلاقهم فأصبحوا سفراء يحكون عن رحلة العمر لبلد الأمن والأمان لمن يصادفهم أو من حضر العرض المرئي بعد أن فرغوا من تأدية شعائرهم الكنائسية يوم الأحد، وسعدنا بمجيئهم ولكن بقيت رحلة بعض الأماكن عالقة في أذهاننا بسبب الإحراج الذي لم نجد له مخرجا غير التبرير الذي لا يسمن ولا يغني.

خولة بنت سلطان الحوسنية
@sahaf03