واشنطن ـ "الوطن":
سيركز صندوق النقد الدولي في الشهور القادمة على مساعدة البلدان الأعضاء في الانتقال من تحقيق الاستقرار إلى تحقيق النمو، حسبما أشارت كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، في برنامج عمل الصندوق نصف السنوي، وقد نظر المجلس التنفيذي في البرنامج مؤخراً، وهو يرتكز على بيان اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية وجدول أعمال السياسات العالمية الصادرين في أكتوبر الفائت واللذين حددا مجموعة من الإجراءات اللازمة لكسر حلقة النمو المنخفض ونوبات الذعر المتكررة في الأسواق والتي تميزت بها فترة التعافي العالمي حتى الآن.
وقالت لاجارد في اجتماع المجلس التنفيذي عند تقديم برنامج العمل إن "التعافي العالمي لا يزال غير متوازن وأكثر انخفاضاً من المأمول، ولا يزال العمل جارياً للانتقال من تحقيق الاستقرار إلى تحقيق نمو قوي ومتوازن وشامل وقابل للاستمرار، وهو يتطلب مزيداً من الطموح في تنفيذ السياسات، وسوف يساعد الصندوق بلدان الأعضاء على إنجاز هذه المهمة بنجاح، وذلك بسبل مثل عمليات التقييم والمشورة بشأن السياسات في سياق أعمال الرقابة الثنائية ومتعددة الأطراف، وكذلك بناء القدرات والدعم المالي".
ولتحقيق هذا الهدف، سيركز الصندوق على تحليله للاقتصادات المتقدمة على مزيج السياسات الاقتصادية الكلية الملائم لدعم التعافي، بما في ذلك ضبط أوضاع المالية العامة على نحو موات للنمو وتسلسل عملية الخروج من السياسة النقدية غير التقليدية والتأثير الذي يترتب على ذلك، وسيواصل الصندوق مساعدة البلدان أيضا على معالجة القضايا التي خلفتها الأزمة العالمية ومناقشة الإصلاحات الرامية إلى تشجيع خلق فرص العمل.
ومن ناحية أخرى، سيساعد الصندوق اقتصادات الأسواق الصاعدة على تعزيز صلابتها في مواجهة تداعيات التحول العالمي إلى أوضاع مالية أكثر طبيعية، كما سيقوم بدراسة مسار النمو المحتمل في هذه الاقتصادات لمواصلة تحديد الإصلاحات التي يمكن أن تدعم تحقيق نمو قوي في المستقبل.
وفي البلدان منخفضة الدخل، سيساعد الصندوق على تقوية الهوامش الوقائية التي توفرها السياسات لمواجهة الصدمات ودعم السياسات التي تساهم في تحقيق نمو أكثر شمولاً في الفترة المقبلة، مع التركيز بشكل خاص على بناء القدرات.
وسيواصل الصندوق تنفيذ جداول أعمال مخصصة لدعم البلدان العربية التي تمر بمرحلة انتقالية، وكذلك الدول الهشة والصغيرة .. وبالإضافة إلى مساعدة البلدان على تعزيز النمو، يحدد برنامج العمل أولويات الجهود المطلوبة في مجالات أخرى مثل:
* تعزيز أطر سياسات المالية العامة للحد من مواطن الضعف ومعالجة المخاطر التي تهدد استمرارية القدرة على تحمل الديون.
* بحث كيفية مساهمة الإصلاحات الهيكلية في دعم النمو وتوفير فرص العمل.
* تيسير تنسيق الإجراءات والتعاون الدولي في أمور مثل تداعيات السياسة والاختلالات العالمية، وهو ما يتضمن تحسين دمج أنواع العمل الرقابي المختلفة ضمن تحليل اتساق السياسات على أساس متعدد الأطراف والتداعيات العابرة للحدود.
* دعم التنفيذ الفعال لجدول أعمال الإصلاحات المالية العالمية، ومراقبة وتحديد المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، ودعم الجهود الرامية إلى تعميق القطاعات المالية في الاقتصادات الصاعدة والنامية.
* تعزيز إطار الإقراض المعتمد لدى الصندوق، وهو ما يشمل العمل على تخفيف الوصمة التي تصاحب الإقراض والتعامل مع التقلبات الكبيرة في التدفقات الرأسمالية والأزمات المحتملة.
يشير الصندوق في برنامج عمله الأخير إلى أن أهم أولوياته في الشهور القادمة هي كسر حلقة النمو المنخفض ونوبات الذعر المتكررة في الأسواق والتحرك نحو نمو قوي ومتوازن وشامل وقابل للاستمرار.
ركز المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في المناقشة التي يجريها مرتين سنويا حول برنامج عمل الصندوق على تحويل التوجهات المحددة في جدول أعمال السياسات العالمية وبيان اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية (لجنة الصندوق المعنية بتسيير السياسات) في شهر أكتوبر الماضي إلى خطة ملموسة يطبقها الصندوق.
ويركز برنامج العمل للاثني عشر شهراً القادمة على الحاجة إلى إدارة سلسلة من التحولات الجارية بالفعل في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك استعادة الأوضاع المالية الطبيعية على مستوى العالم، واحداث تحول في ديناميكية النمو، واعادة توازن الطلب العالمي، واستكمال إصلاح النظام المالي العالمي.
وتحدث سيدارث تيواري، مدير إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي
عن أولويات الصندوق في الفترة القادمة "تقوم اقتصادات الأسواق الصاعدة بدور أكبر في الاقتصاد العالمي، لكنها معرضة لمخاطر أكبر أيضا، فكيف يساعد الصندوق هذه البلدان في تجاوز التحديات التي تواجهها؟" .. من التحولات الرئيسة في برنامج العمل أنه يركز بدرجة أكبر على اقتصادات الأسواق الصاعدة، فقد تزايدت أهمية الأسواق الصاعدة ـ حيث تساهم، مع البلدان النامية، بحوالي نصف إجمالي الناتج المحلي العالمي حسب تعادل القوى الشرائية؛ وسوف تساهم بما يقارب ثلثيه في عقد آخر، ونحن نسعى، أولاً، إلى فهم العوامل التي ارتكز عليها ما حققته من نمو سريع في الآونة الأخيرة، والسبب في تباطؤه حالياً، ونحن ننظر في مدى ارتباط تباطؤ النمو بضيق الأوضاع المالية العالمية، ومدى كونه نتاجاً لقضايا أكثر ارتباطا بالداخل، وما الذي يمكن أن تقوم به هذه البلدان للحفاظ على نمو قوي وعلى درجة كبيرة من التوازن في الفترة المقبلة. وهناك جزء آخر من جدول أعمالنا يركز على دور التعميق المالي في
الأسواق الصاعدة، وهو أمر مهم لزيادة الصلابة في مواجهة الصدمات ودعم النمو، وأخيراً، سوف ننظر أيضا في عواقب البنود المتعلقة بالإصلاح التنظيمي العالمي على استقرار اقتصادات الأسواق الصاعدة.
وحول العمل المخطط بشأن السياسة النقدية غير التقليدية وأثر إيقاف العمل بها قال "القضايا المتعلقة بالخروج من مرحلة السياسة النقدية غير التقليدية سيكون جزءاً أساسياً من عملنا، سواء في الاقتصادات المتقدمة أو النامية، وهناك عدة تحديات آنية في هذا الخصوص، فبالنسبة للاقتصادات المتقدمة التي تطبق سياسة نقدية غير تقليدية، المسألة مختلفة تماماً، متى وكيف يمكن سحب الدفعة التنشيطية بيسر مع أقل درجة ممكنة من التداعيات؟ وبالنسبة للاقتصادات الصاعدة والواعدة، أثيرت مسائل مهمة حول كيفية إدارة المخاطر والانعكاسات المصاحبة لحركات رأس المال المفاجئة، وذلك بسبب موجات عدم اليقين السوقي في الأسواق الصاعدة على مدار الصيف الماضي عقب الحديث عن الإلغاء التدريجي لهذه السياسة في الولايات المتحدة، وتحتاج هذه البلدان إلى معرفة مدى إمكانية أن توازن سياستها النقدية وأسعار صرف عملاتها وغيرها من السياسات، ولديها أسئلة بشأن اطر وأدوات السياسة الأوسع التي يمكن أن توفر لها تأمينا مالياً، وبعد انتهاء العمل في المرحلة الأولى، سننظر نظرة أعمق إلى هذا الموضوع ضمن التقرير الجامع الذي يصدر في الخريف القادم بعنوان "السياسة النقدية: دورها الآن وفي المستقبل"، والذي يناقش القضايا المتعلقة بالمبادئ والبنيان الملائمين لإدارة السياسة النقدية في المستقبل.
وأضاف : سنستمر في تحليل مدى الاتساق بين سياسات البلدان الأعضاء من منظور متعدد الأطراف من خلال تنفيذ قرار الرقابة الموحدة ومن خلال عملنا المعني بتقارير التداعيات والتقرير التجريبي بشأن القطاع الخارجي، وقد قالت بلداننا الأعضاء إن علينا تحسين أدائنا بإضافة بُعد متعدد الأطراف إلى أنشطة الرقابة الثنائية ـ وذلك بإدخال عملنا المعني بالتداعيات وأسعار الصرف ضمن التحليلات التي يتم إجراؤها في سياق مشاورات المادة الرابعة مع كل بلد عضو، وسوف تركز المراجعة التي تجري كل ثلاث سنوات، والتي يحل موعدها الخريف القادم، على قضايا مثل تقييم أدائنا في دراسة الصورة الأوسع في رقابتنا الثنائية .. مشيراً إلى التركيز في مجال عملنا الجديد سيكون على التداعيات والضرائب الدولية، فنحن نرى أن الفروق في السياسات الضريبية القومية تخلف فرصاً للتحايل والتهرب يمكن أن تؤدي إلى اختلالات اقتصادية ومستوى من الضرائب أقل مما يمكن أن تفضله البلدان، ولذلك سننظر إلى القواعد والممارسات الدولية لضريبة الدخل، ونقيم مدى أهميتها الاقتصادية الكلية، ونبحث التحركات الممكنة على صعيد السياسات.
وقال "من المفيد التمييز بين سياسات الحد من مخاطر تراكم الديون على نحو لا يمكن الاستمرار في تحمله وسياسات معالجة المواقف التي تكون فيها أعباء الديون قد أصبح حادة بالفعل .. وخبراء الصندوق بصدد استكمال مراجعة سياسات الصندوق بشأن حدود الدين في البرامج التي يدعمها، مع تركيز الجهد الأكبر على البلدان منخفضة الدخل حيث قضايا ضعف القدرات المؤسسية وأهمية تشجيع الإقراض بشروط ميسرة تمثل مصدراً للقلق بوجه خاص، وبعد موافقة المجلس التنفيذي على السياسة الجديدة، من المستهدف تطبيقها بشكل مرن من حيث السماح للبلدان المقترضة بفرصة اختيار أكبر من بين بدائل التمويل، مع السعي لضمان مستويات اقتراض وشروط مصاحبة يمكن الاستمرار في تحملها، وبالإضافة إلى ذلك، نقوم بجهود حالياً بشأن إرشادات الصندوق والبنك الدولي المتعلقة بإدارة الديون.
وتمثل إعادة هيكلة الدين السيادي مجالا آخر للعمل المقبل، وهنا سنركز على تعزيز المنهج التعاقدي في إعادة هيكلة الديون وتقوية إطار الصندوق الذي ينظم الإقراض في حالات المديونية المرتفعة، وسوف نستطلع آراء مختلف الأطراف المعنية في القطاعين العام والخاص ونأخذ تعليقاتهم في الاعتبار .. مؤكداً في نهاية المطاف، يجب أن تُترجَم رقابتنا وبرنامج عملنا وبناؤنا للقدرات إلى فرص عمل جديدة، ومن المجالات التي يركز عليها برنامج العمل الجديد الإصلاحات الهيكلية .. وكيف يمكن أن تدعم النمو، ومع التقلص الكبير الذي يشهده حيز الحركة من خلال السياسة النقدية وسياسة المالية العامة، أصبح التركيز في الوظائف والنمو الآن على الإصلاحات الهيكلية، وبالنسبة لمراجعة الرقابة التي تجري كل ثلاثة أعوام والتي يحل موعدها في عام 2014 ، سيتم إصدار دراسة مرجعية تبحث فيما إذا كان الصندوق يركز على الإصلاحات الهيكلية الحيوية على المستوى الاقتصادي الكلي وما إذا كنا قدمنا مشورة متسقة في هذه المجالات.
وأقصد بالإصلاحات الهيكلية أوجه عدم الكفاءة في الاقتصاد، ومن الأمثلة الجيدة في هذا الصدد إصلاح دعم الوقود الأحفوري، وهي مسألة ركز عليها الصندوق في العام الماضي، وتساعد هذه الإصلاحات في الإفراج عن موارد من المالية العامة واستخدامها في تخفيض العجز ودعم الإنفاق الحكومي الذي يركز بشكل أفضل على الجوانب المستهدفة، بما في ذلك التعليم والبنية التحتية والتدريب.
بالنظر إلى ما وراء التهديدات الآنية للاقتصاد العالمي، ما هي التحديات طويلة الأجل التي يدرسها الصندوق؟
ننظر الآن فيما يمكن أن يكون عليه العالم في عام 2030 أو 2050، ومن الواضح إلى حد كبير أننا ننتقل إلى عالم متعدد الأقطاب ـ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، وربما حتى الهند يمكن أن تكون لها جميعا أوزان متقاربة من حيث إجمالي الناتج المحلي، ومن الواضح أن دور الأسواق الصاعدة سيزداد، ونعمل أيضا على دراسة ما إذا كان العالم سيصبح أكثر عرضة للمخاطر ـ سواء من حيث وجود دول هشة أو نقص في المياه ـ ونفكر في دور الصندوق في معالجة جوانب الضعف ذات الصلة.
وقد بدأنا النظر بالفعل في تحديات مثل عدم المساواة في البلدان المختلفة وما إذا كانت تهدد استقرارها الكلي وما إذا كان معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة مصدراً لدعم النمو، هذه القضايا ليست ضمن مجال عمل الصندوق، ولكنها اتجاهات عامة ينبغي أن نفكر فيها، حيث تؤثر على الوظائف والنمو والاقتصاد الكلي.