الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد: اليوم أيها القراء الكرام نكمل ما بدأناه مع سورة الإنسان نحيا بها مع كتاب الله تعالى نسأل الله سبحانه أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وذهاب همومنا وجلاء حزننا.
قال تعالى: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً، وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً).
قوله تعالى: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا) أي: في الجنة، (عَلَى الْأَرَائِكِ) السرر في الحجال، (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً)أي: لا يرون في الجنة شدة حر كحر الشمس، (وَلا زَمْهَرِيراً)أي: ولا بردا مفرطا ؛ وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"اشتكت النار إلى ربها عز وجل قالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها،وشدة ما تجدون من الحر في الصيف من سمومها". وعن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "إن هواء الجنة سجسج: لا حر ولا برد" والسجسج : الظل الممتد كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وقيل: الزمهرير البرد القاطع. وقيل: هو شيء مثل رؤوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد. وقال ابن مسعود: هو لون من العذاب، وهو البرد الشديد ، حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم بالنار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوما واحدا.
فالمعنى لا يرون فيها شمسا كشمس الدنيا ولا قمرا كقمر الدنيا ،أي إنهم في ضياء مستديم، لا ليل فيه ولا نهار لأن ضوء النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر.
قوله تعالى: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا) أي: ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار، فهي مظلة عليهم زيادة في نعيمهم وإن كان لا شمس ولا قمر، كما أن أمشاطهم الذهب والفضة، وإن كان لا وسخ ولا شعث ثم. ويقال : إن ارتفاع الأشجار في الجنة مقدار مائة عام ، فإذا اشتهى ولي الله ثمرتها دانت حتى يتناولها. وانتصبت "دانية" على الحال عطفا على "متكئين"، وقيل: انتصبت نعتا للجنة أي: وجزاهم جنة دانية، (وَذُلِّلَتْ)أي سخرت لهم " قُطُوفُهَا " أي: ثمارها "تَذْلِيلاً" أي تسخيرا ، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع ،لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك، وقيل: إن قام أحدا ارتفعت له،وإن جلس تدلت عليه، وإن اضطجع دنت منه فأكل منها. وقال ابن عباس: إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول منها ما يريد ،وتذليل القطوف تسهيل التناول. والقطوف: الثمار، وقيل: ويحتمل أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها، وتخلص لهم من نواها.
روى ابن المبارك، قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نخل الجنة:جذوعها زمرد أخضر،وكربها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد.
والله أعلم.

.. يتبع بمشيئة الله ،،،

* المصدر (القرطبي)

إعداد ـ أم يوسف: