من ينظر إلى الواقع المرير الذي آلت إليه القضية الفلسطينية، سيجد أنها تتقلب بين المأساة والملهاة، المأساة بكل آلامها وأوجاعها وهمومها ونكساتها وطعناتها، ويشترك فيها أكثر من طرف، بداية من الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس صباح مساء إرهاب دولة بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، ويختلق الذرائع كلما عنَّ له ذلك ليواصل ارتكاب المزيد من جرائمه الإرهابية، ومرورًا بالفلسطينيين أنفسهم وانقسامهم الذي تحول إلى دجاجة تبيض ذهبًا لكيان الاحتلال الإسرائيلي ليوغل في جرائمه الإرهابية، ففي ظل الانقسام انطلقت آلة الاستيطان بأقصى سرعتها، وماكينة التهويد بأقصى اندفاعتها، وأيادي التدنيس استطالت بصورة غير مسبوقة لتطول المسجد الأقصى مُزاوِجَةً بين تقسيمه مكانيًّا وزمانيًّا، ونخر أساساته، والانقسام ذاته أيضًا مكَّن العدو الإسرائيلي من فرض حصار ظالم وخانق على قطاع غزة، مُرسِلًا إلى سكانه الموت البطيء والمجاني، وانتهاءً بالوضع العربي الذي يشهد منعطفًا خطيرًا ومدمرًا ليس للقضية الفلسطينية فحسب، وإنما المنطقة بأسرها جراء ما سمي زورًا "الربيع العربي" الذي تكشفت أوراقه وحقائقه تباعًا ـ ولا تزال ـ عن أنه "ربيع إسرائيلي" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويحمله الواقع من حقائق وبراهين ساطعة كالشمس في رابعة النهار.
أما الملهاة فحدِّث عنها ولا حرج، حيث تتعدد صورها وألوانها، وأصبحت حرفة ووسيلة بيد كيان الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه حلفاؤه الاستراتيجيون الولايات المتحدة وأوروبا، لمواصلة المأساة وويلاتها على الشعب الفلسطيني في إطار مخطط تصفية القضية الفلسطينية، ففي الداخل الفلسطيني حرص العدو الإسرائيلي على رعاية الانقسام الفلسطيني وإدارته وتأجيج التوتر القائم بين الحركتين الكبريين (فتح وحماس) وضرب أي جهود فلسطينية أو عربية لإنهائه، رغم المناشدات والمسيرات الشعبية المطالبة بإنهاء الانقسام، والالتفات إلى الوضع الوطني الفلسطيني، وملاحقة اللص الإسرائيلي ومنعه من مواصلة سرقة الأرض، ومن التهويد والاغتيال والاعتقال والتهجير، والتي لم تثمر عن أي نتيجة. وفي الداخل الفلسطيني والخارج، مثَّلت المفاوضات العبثية العقيمة ركيزة مهمة في الملهاة، لتشتيت الجهود الفلسطينية والعربية، ليلحق العدو المحتل الإسرائيلي وحلفاؤه الاستراتيجيون الأميركيون والأوروبيون كل ذلك بثالثة الأثافي ألا وهي "الفتن الطائفية والمذهبية" التي صنعوا منها رماحًا وسلموها لأدواتهم ووكلائهم في المنطقة لينحروا بها جسد الأمة. وبينما تستمر الأدوات والوكلاء في عملية النحر، يستفرد العدو الإسرائيلي بالأصالة بالشعب الفلسطيني ونحر القضية الفلسطينية.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعا إلى "عقد مؤتمر دولي أو لجنة موسعة، لتدرس إمكانية حل القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية، أسوة باللجان الدولية التي تشكلت لحل مشاكل إقليمية ودولية"، متسائلًا في كلمة له أمس الأول أمام وسائل الإعلام في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية "القضية الفلسطينية هي أقدم القضايا في المنطقة، لماذا لا تُحل؟ لماذا لم تشكل لجنة لحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة؟ فلقد تشكلت لجنة من أجل إيران وأخرى لسوريا وليبيا.
وعلى الرغم من حرقة الألم التي تبدو من خلال كلمات أبو مازن، فإن عباس لن يسمع سوى صدى صوته، بعد أن طوى العرب خيامهم، وجاء الغرب بقواعدهم العسكرية، فضلًا عن أن تجارب الماضي بخيباتها لا تزال حاضرة وشاهدة من المؤتمرات كمؤتمر أنابوليس وشرم الشيخ وغيرهما، واللجان كلجنة المتابعة واللجنة الرباعية الدولية لسلام الشرق الأوسط. ولذلك يطلق الرئيس عباس دعوته ولسان الحال والواقع يقول "لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن...".