لا شك ان الخطوات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن لمعالجة الآثار التي يمكن ان تترتب على الازمة أو الضائقة الاقتصادية نتيجة التراجع الحاد في اسعارالنفط، تعد مقبولة على الرغم من تحفظ البعض عليها خاصة فيما يتعلق بتلك الاجراءات التي تلامس الدخل الشهري للفرد نتيجة زيادة اسعار المحروقات أو فرض بعض الرسوم الجديدة او زيادة الحالية، فهي تأتي انطلاقا من الحرص على إعداد مجموعة من برامج الوقاية لحماية الوضع الاقتصادي ومن ثم الاجتماعي لأفراد المجتمع من التراجع للوفاء بالتزامات الحكومة لتأمين الأساسيات والضروريات من الخدمات، الا ان ذلك في واقع الامر يتطلب التشديد على مختلف القطاعات التي ستحاول جاهدة ان تعوض الضرائب التي ستفرض عليها من خلال زيادة أسعار المبيعات والبحث عن أساليب وطرق تقنع فيها الحكومة بذلك وبالتالي يكون الضحية المستهلك، صحيح ان الحكومة سارعت في بيان لها لتوجيه الهيئة العامة لحماية المستهلك لمراقبة الأسعار وعدم التهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من يستغل الأوضاع الا ان الرقابة وحدها لا تكفي خاصة وان معظم المواد التي يستهلكها المجتمع ترد من خارج البلاد وعبر وكالات بعضها لديها وكالة حصرية وتمتلك أدوات تحديد السعر من المصدر في ظل عدم وجود منافس لتقديمها الى الجهات المعنية والتي تبني بموجبها سعرها في السوق المحلي.

وعلى الجانب الآخر فإن قيام العديد من المؤسسات الحكومية بالترشيد في توفير بعض الخدمات التي اعتادت على اقتنائها او تأمينها لموظفيها دعما للحركة التجارية والشرائية بدأ ينعكس ذلك بظلاله على جدوى استمرار بعض المؤسسات الخاصة في تقديم الخدمة والذي اتجه بعض منها الى الإغلاق او تسريح بعض العاملين لديها تجنبا للإفلاس او استمرارا لأداء الخدمة، الا ان البعض انتهج اسلوبا مغايرا بمشاركة العاملين في إيجاد الحلول لتخطي الأزمة من خلال التخفيض في الاجور بنسبة معينة يتفق عليها الطرفان ما تلبث ان تعاد مرة اخرى بعد عودة الأمور إلى طبيعتها، وهذا بطبيعة الحال سيكون له اثار إيجابية على استمرار جميع الموظفين في أعمالهم وعدم الاستغناء عن احد منهم، كما ان البعض الذي يتبع في عمله نظام العمل لعدد من الايام تليه راحة بنفس العدد سارع الى تغيير هذا النظام بالاتفاق مع العاملين لكي يتمكن من زيادة ساعات الانتاج ومن ثم تأمين اجور العاملين لديه، فكلها في النهاية أساليب لو اتبعت لا شك سيكون لها اثر إيجابي في التقليل من الآثار السلبية على افراد المجتمع .
تخفيض الدعم الذي كان يشكل في ميزانية الحكومة اكثر من مليار وربع المليار ريال عماني خلال عام ٢٠١٤م الى ٤٠٠ مليون، لا شك سيكون له تبعات على دخل الفرد وعلى المستوى المعيشي الذي اعتاد عليه لكن اذا ما ادرك اصحاب الاعمال والمؤسسات اهمية ان يكون لهم دور فاعل في ذلك ودعموا حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وحافظوا على استقرار السوق وابتكروا من اجل ذلك بدائل وحلولا سيضمنون استمرارهم في السوق ويحافظون على استقرار المجتمع وما يعيشه من امن وامان، لأن استقرار المجتمع مرتبط ارتباطا وثيقا باستقرار السوق سلبا او ايجابا حيث ان الدول التي لا تراعي هذه المعادلة تكون في مواجهة مع المجتمع وينشأ عن ذلك معارضة يرتفع مؤشرها بارتفاع حجم التراجع في تقديم الخدمة او ارتفاع اسعار الخدمات او فرض ضرائب او الاستغناء عن القوى العاملة ، وهناك نماذج من الدول التي لم تحسن ادارة مثل هذه الأزمات فدخلت في صراع مع مجتمعاتها أدى الى ضياع الامن والاستقرار، واستغلال ذلك من قبل بعض الدول التي تبحث عن منافذ دخول لزعزعة كيانات قائمة ومستقرة وجرها الى حظيرة التبعية .
فالحكومات التي لم تدرك او تعي اهمية عدم المساس بقوت المواطن او وجبته اليومية ازاحها عن كرسيها رغيف خبز، اما تلك التي ادركت ذلك فقد ثبتها ذلك الرغيف واستطاعت ان تتخطى الأزمة وان تحصل على جهد المجتمع وإسهامه في إيجاد البدائل من خلال التوجه الى الترشيد في الانفاق وفي استهلاك بعض الخدمات الاساسية الضرورية مثل الماء والكهرباء وغيرها من المقومات الحياتية، لذا لا بد ان يكون هناك تكامل بين مكونات المجتمع الثلاثة الحكومة التي تدير الأزمة والقطاع الخاص الذي يستجيب لاجراءات المعالجة ويبتعد عن استغلال ظروف وحاجة المجتمع والمواطن الذي يتفهم كل ما تقدم عليه الحكومة ويساعد على تحقيقه، فالرهان دائماً على المكون الثاني وهو القطاع الخاص الذي بيده ان يضع علاقة المكونين الاول والثالث اما سلبا او ايجابا بما يقدم عليه من خطوات معالجة او تصعيدا للأزمة، التي تحتاج الى التدخل الحكومي عبر مجموعة ضوابط غير التقليدية حتى لو استدعى الامر ان يكون لدى الجهات المختصة اُسلوب محاكاة يتبع نفس الطرق التي يتبعها القطاع الخاص بعلاقته مع المصدرين من الخارج الى السلطنة ليكون على بينة من الامر اذا ما ارجع المورد زيادة الأسعار من المصدر الخارجي.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]