[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” بعد الحادي عشر من سبتمبر الغامض تحول الغرب الى الهجوم الكاسح ضد ما اعتبره جيوب مقاومة للهيمنة الغربية ( أو منابع للارهاب ) وشن الحروب الاستباقية لكن تحت شعار ادخال الناس أفواجا الى جنة الديمقراطية و لو بالسلاسل! و كما كان متوقعا فقد ردت الشعوب المسلمة الفعل بالرجوع الى الأصول واللجوء الى الملاذ الحضاري الأمين،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ظلال أحداث أليمة منها استفحال الأزمات في أغلب الدول المسلمة و تفاقم الهجرات الشبابية المشرقية إلى سواحل أوروبا و تنامي حركات العنف الرافع لشعارات الدين وميل الرأي العام في الغرب الى انتخاب الأحزاب اليمينية العنصرية (مثلما وقع في الإنتخابات الفرنسية الأخيرة و صعود الجبهة الوطنية اليمينية) كرد فعل ضد الإرهاب بالتزامن مع التدخل الروسي بقوة في سوريا وانخراط القوى الإقليمية في الأزمات التقيت في باريس هذه الأيام جمعا من الزملاء الأكاديميين العرب المقيمين هنا وأردت أن أتعمق مع الزملاء الكرام بعد عشرين سنة من تعاقب الأحداث المأساوية في أسرار التحولات الكبرى التي هزت العالم والأمة الاسلامية وغيرت التوازنات القديمة والمواجهات التقليدية بين غرب رأسمالي وشرق شيوعي أو بين شمال غني و جنوب فقير وأقامت بين المسلمين والغرب أسوارا عالية من العداء و الريبة و في أحيان كثيرة من الحروب الدموية كما وقع في أفغانستان ثم العراق وفلسطين واليوم في ليبيا وسوريا و العراق و اليمن، و قبلها في البوسنة و الهرسك و الشيشان، وربما غدا في ايران أو باكستان أو جمهوريات اسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة.
وتبادلت الرأي والتحليل مع تلك النخبة التي يؤهلها تخصصها الأكاديمي للابتعاد عن الايديولوجيات ومغازلة العواطف العربية الجياشة بما يريد الناس أن يسمعوا من عذب الشعارات ومعسول العبارات، فكان اللقاء مفيدا جدا، خاصة ونحن مهمومون بنفس الهموم العربية، ويعيش أغلبنا في مدن أوروبا اختيارا أو اضطرارا، وبالتالي نتقاسم معايشة التصادم اليومي مع المفاهيم الخاطئة والجهالات المتراكمة التي يتعاطى بها الرأي العام هنا في الغرب والرأي العام العربي مع القضايا السياسية والحضارية التي نواجهها و التي تتعلق بالعلاقات الاسلامية الغربية، في مرحلة من أخطر مراحل التاريخ الحديث دقة وحساسية.
واكتشفت بأن بيننا اتفاقا ضمنيا وهو الايمان بأننا ندخل مع الغرب مرحلة جديدة حاسمة من التصادم، يغذيها من الجانب الغربي مخطط المتعصبين من الصهاينة العنصريين والانجيليين الجدد الذين تحركهم حكومات الظل المتشكلة من 200 شركة أميركية عابرة للقارات التي استقرت منذ الثلاثينات في حي مانهاتن بنيويورك والتي تخدم في الخفاء مصالح مالية استراتيجية لما نسميه النظام العالمي الجديد وهو نظام جائر يؤبد استعباد الشعوب المستضعفة حيث تسيطر تلك اللوبيات على انتاج وتوزيع المواد الأولية والطاقة وأغلب مراكزها ورؤوسها المدبرة مستقرة في مانهاتن مع فروع و وكلاء بلندن و باريس و برلين وفي القارات الخمسة.
ولسنا نحن العرب الذين نفضح هذه اللوبيات، لأن عالم الاقتصاد الفائز بجائزة نوبل عام 2001 الأستاذ (جوزيف ستيغليتز) والذي كان نائب رئيس للبنك العالمي و مستشارا للرئيس كلنتن، خصص لهذه القوى السرية كتابا صدر باللغات الأوروبية بعنوان (عالم مختلف)
DIFFERENT WORLD)) وحلل الظلم الدولي كذلك أكبر علماء الحضارة و اللغات الأميركي (ناحوم شومسكي) في كتابه بعنوان (نحو الهيمنة على العالم) والذي رفعه بيده الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابه العاصف أنذاك، وكذلك عالم الاقتصاد الأميركي الذي كان مرشحا للرئاسة الأميركية ليندن لاروش الذي يكتب أسبوعيا في هذا المحور في مجلته ( أنتليجنس اكزيكيتف ريفيو).ويقر زملائي بأن هذه القوى العاتية في الغرب وفي اسرائيل هي التي بدأت منذ بداية التسعينات تضع نظريات صدام الحضارات، على لسان (صمويل هنتنجتن)، ونظريات نهاية التاريخ على لسان (فرنسيس فوكوياما)، ونظريات ضرورة الحرب على المسلمين على لسان (ناتان شارنسكي) الوزير الاسرائيلي الذي أعلن الرئيس بوش الإبن بأنه يعتبر كتابه منهج عمل وطريقة تعامل سياسي مع الاسلام، ونصح وزراءه بمطالعته والاستنارة به.
ثم بعد الحادي عشر من سبتمبر الغامض تحول الغرب الى الهجوم الكاسح ضد ما اعتبره جيوب مقاومة للهيمنة الغربية ( أو منابع للارهاب ) وشن الحروب الاستباقية لكن تحت شعار ادخال الناس أفواجا الى جنة الديمقراطية و لو بالسلاسل! و كما كان متوقعا فقد ردت الشعوب المسلمة الفعل بالرجوع الى الأصول واللجوء الى الملاذ الحضاري الأمين، فكانت الانتخابات هنا وهناك - اذا ما تمت - مؤشرات لا تخطؤها العين على العودة العارمة للقيم الأصلية كموقف صمود ضد المظالم الساطعة و المذابح الشرسة في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان والشيشان (حيث اغتيلت احدى الاعلاميات لمجرد دفاعها عن ضحايا غروزني في موسكو).واليوم يواصل غلاة العنصرية بجناحيها الصليبي والصهيوني السير في الطريق الخطأ، بتكريس خطاب الكراهية والحقد لا ضد التطرف الذي ندينه وهو تطرف موجود في كل الأديان بل ضد الاسلام كدين وكحضارة وضد مصالح المؤمنين به، في حملات جديدة أصبحت لا تفرق بين اسلامي وعلماني ولا بين سلطة ومعارضة ولا بين غني وفقير ولا بين سني وشيعي والتمهيد لمواجهات عسكرية و تهيئة الرأي العام العالمي للقبول بها، رغم تحذيرات الشرفاء من مثقفي الولايات المتحدة وأوروبا و نزهاء اليهود.
قال زملائي: أليس الأجدر بالنخب العربية اليوم أن تعيد حساباتها مهما كانت مواقعها في السلطة أو في المعارضة لتجديد خطاب التعامل مع الغرب و تكثيف الجهود لجمع كلمة الأمة، عوض مواصلة طريق الضلال الحضاري بتأبيد الجدل العقيم حول الايديولوجيات والشعارات والزعامات، بينما نحن جميعا نركب في مركب واحد بدأت عواصف الأعداء المتربصين تهب عليه لاغراقه، و نحن في سنة من النوم و غفلة من التاريخ.