**
يتطلع العالم إلى ليبيا بعين استرجاع السبب الذي أوصلها إلى هذا الدرك، في حين يعرف حلف الناتو أن مشكلة ليبيا باتت عصية على الحل لأنه جرى تهديم أسسها الوطنية والدستورية والاجتماعية والاقتصادية، وتركت نهبا للأشقياء، وكان وراء كل هذا وذاك يد الناتو الآثمة في تدخلها السافر لتحقيق ذلك.
ليبيا الآن إذن في أسوأ حالاتها على شتى الصعد، ولم يبق أمامها سوى الانشطار بين السيء والأسوأ، والسبب الأساسي غياب السلطة المركزية والجيش والأمن المركزي والمؤسسات، مما أعطى مجالا لتقدم الإرهاب محصورا
بـ "داعش" وحلفائها، إضافة إلى التنظيمات المسلحة وعلى رأسها " فجر ليبيا " المدعومة من " الإخوان المسلمين".
الصراع المفتوح بين القبائل ببعضها والتنظيمات ببعضها، وبين التنظيمات والقبائل ... جعل من "داعش" قوة حراك مكنها من أن تتحول إلى قوة نفطية حين أمسكت بمنطفة رأس سدرة بموقعها الجغرافي المميز داخل ليبيا وبطلتها القريبة من أوروبا مما جعلها قادرة على اللعب بهذا النفط. وتعتبر تلك المنطقة بمساحتها التقريبية أكبر من لبنان وفلسطين بثلاث مرات وأكثر، إضافة إلى غناها النفطي، حيث رأس لانوف وغيره من المواقع.
ليبيا التي تتحمل أيضا المسؤولية المباشرة فيما جرى لها جامعة الدول العربية التي تآمرت عليها في عملية بيع واضحة مقابل أثمان باتت معروفة، ولعبة الناتو التي غيرت الواقع الداخلي فأنهت عصر القذافي، مازالت ـ اللعبة ـ إلى الآن تمارس عمليات النهب المنظم للنفط بالدرجة الأولى عبر أعوان وقوى مسلطة عليه. ورغم ما يجري من صراع شديد على النفط، فكأن تلك القوة " الناتوية" سعيدة بالحصول على هذه المادة المهمة بأثمانها الرخيصة التي تحصل عليها من تلك التنظيمات، ولهذا نسمع عن إعلان نوايا للقتال ضد "داعش" وغيرها، في حين لا نرى شيئا من ذلك, وأمام محاولات عديدة لقيام مؤسسات دستورية، فإنها لا تلبث أن تتبخر أمام استقالات جماعية أو استقالة رأسها، أو مهاجمة تنظيمات لها.
ليبيا محيرة للعقول لمن لم يقرأ بعد كيف ارتهن مصيرها لمواصفات أن تظل لا دولة برعاية دولية، لكي تبقى منهوبة مسروقة والكل يأكل من هذه الجبنة الطيبة على طريقته، ويتعاطى مع الواقع الليبي كأنه يجب أن يبقى على تلك الحال طالما أن الجميع مقتنع ومتفاهم دون أن يتفاهم على تحقيق مساواة في تلك السرقات والاستباحات الرهيبة.
أما الشعب الليبي المسكين الغارق في البحث عن مخرج سوف لن يجده في مستقبل قريب، بدأ يضرب كفا بكف حسرة على نظام مضى وانقضى كانت فيه ليبيا مسرح الأمان والاستقرار والعيش الرغيد. ولذلك هجره بنيه إلى الخارج يبحثون عن مأوى، اما المنضوون في أكل الجبنة من حملة السلاح، يتعاظم شأنهم أكثر فأكثر، وكلما سمعنا كلاما عن مقاتلة "داعش" وغيرها، نجد فعلا معاكسا ورضى على ما تقوم بها كأنما من استولدها هناك رسم لها أفق السلامة لتكون يده الطولى في المكاسب التي يجنيها، اضافة الى ماتعنيه بالنسبة لمستقبل العلاقة مع مصر، ومن ثم مع كل محيطها تونس والجزائر، وصولا إلى الإرهاب في سوريا.