في ظل اعتماد الموازنة المالية للدولة لعام 2016م، وما حددته من نصيب قطاع التعليم، يبدوا أن مرحلة العمل القادمة في التعليم تتطلب جهدا استثنائيا لا يقتصر دور التعليم فيها على مجرد توزيع الموازنة على بنود الصرف المحددة، بل أن يتبني بمؤسساته المختلفة منهجيات أكثر إجرائية في تحقيق استثمارات نوعية وأرباحا تتكافأ مع نسبة المصروفات التشغيلية اليومية، أو على أقل تقدير تحافظ على توازن عملية الصرف، وبالتالي إعادة صياغة مقننة للممارسة المالية لمؤسسات التعليم تضمن قدرتها على قياس العائد الاستثماري الناتج منها على جودة الأداء، بما يطرح أمام التعليم مداخل أخرى تعمل على تعميق الاستثمار المستدام بقراءة جديدة لواقعه وغاياته وطموحاته، وشروطه في التعامل مع مسألة العجز والانفاق والصرف، وبالتالي بناء منظومة خيارات استراتيجية على التعليم أن يسلكها في التعامل مع هذا الوضع بما يحقق توازنا في مهامه واختصاصاته وبما يعطي البعد الإنساني الأكثر عددا في التعليم قيمة مضافة يراد منها أن تستمر في نشاطها وأن تبرز في أدائها بشكل يعكس دافعيتها في الإنجاز في إطار تعزيز مستويات الثقة والشعور بالمسؤولية، بحيث تؤدي منظومة التخطيط والتقويم والموارد البشرية وتقييم الأداء فيها دورا محوريا في تحديد مساراتها ونمط السلوك التنظيمي المساند لهذه المعالجة، في إطار تقييم مستمر لطبيعة المنجز الحالي وإعادة هندسة العملياتوفقمعايير الأداء ومؤشرات التحقق، وحضور نظم المساءلة بقوة في معالجة حالات الاخفاق أو الانحرافات الحاصلة عن سلوك تحقق الأهداف، بما يعكسقدرة الممارسة التعليمية في إطارها المالي على إيجاد توازن بين الكفاءة والانتاجية والالتزام ، وهي مكونات ينبغي أن تتعزز من خلال القيمة النوعية التي تمنح للإنسان، بما يضع إدارة المؤسسات التعليمية أمام مسؤولية تأكيد قيم العدالة والمساواة وترسيخ ثقافة احترام المسؤوليات وصناعة القدوات المؤسسية وتأصيل مناخ إيجابي في منظومة العمل والتعامل وتوجيه الصلاحيات نحو تمكين بيئات التعليم وإداراته من تكوين بدائل وفرص استثمارية متعددة وتعميق وجود شراكات داخلية وخارجية داعمة.
وبالتالي يضعنا هذا الطموح أمام قراءة جديدة للقيمة المضافة المتحققة من الاستقلالية المالية للتعليم الناتجة عن فتح مجالات الاستثمار له في تغيير مجريات المعادلة بما يضمن قدرة مؤسساته في إدارة مشاريعها التطويرية القادمة، وتعزيز توفير سيناريوهات في إدارة عمليات الصرف وفق بنود مقننة مقنعة، تعزز من رصيد التعليم المالي من خلال الاستثمار في الوقف التعليمي والعقارات والمواد الثابتة والمواد المنقولة، وتأسيس إدارة فاعلة للوقف التعليمي وما تتطلبه من إعادة النظر في الهياكل التنظيمية والتشريعات وأنظمة الصرف والرقابة التي يعمل التعليم في إطارها، فإن المتوقع أن يسهم هذا التوجه في تكوين منطلقات لبناء مرحلة أعمق في الاستثمار النوعي للموارد البشرية والكفاءات المجيدة وحسن إدارة الموارد كاستخدامات المبنى التعليمي والبيئة والمرافق التعليمية ليتجاوز إلى تأكيد الاستثمار في الاختصاصات والمهام والتخصصات في ظل شراكات أقوى وتوفير بيئات عمل قادرة على تحقيق عوائد أكبر، وفرض حضور قوي للابتكار والتجريب وتدوير الخبرات ورصد براءات الاختراع وتعزيزها في مؤسساته، وتبني استراتيجيات لتوطين الكفاءات المجيدة وتمكينها من إدارة المشاريع التعليمية الاحترافية في مجالات التدريب والاستشارات التربوية والنفسية والاجتماعية وبناء الخطط والاحصاء والخرائط الجغرافية وتقنية المعلومات والبرامج الالكترونية والطاقة المتجددة والطاقة النووية النظيفة والتوعية والتثقيف والاعلام والاتصال والبحوث والدراسات وغيرها وهي مجالات عملية يمكن أن يستثمر التعليم فيها بقوة ويعزز من وجودها وحضورها في رفد موازنته العامة.
وعليه فإن ما سبق الحديث عنه من خيارات يفرضإدارة مالية متناغمة مع مسؤوليات التعليم وطموحاته، ترتبط بالممارسة اليومية ولا تنفصل عنها، بمعنى أن قياس جودة العمليات الداخلية المنفذة في التعليم يجب أن تراعي في عملية تنفيذها البعد الاستثماري من حيث تعظيم القيمة الناتجة عنها وقراءتها في صورة كلية متوازنة بعيدا عن التكرار والازدواجية والتداخلات والتدخلات، وهنا تظهر مسؤولية المتابعة الدقيقة لمجريات العمل اليومي في ضبط استراتيجيات تنفيذ العمليات كاستخدام المركبات والمتابعات اليومية واستخدام الأدوات والموارد وتقنين الفعاليات والاحتفاليات وغيرها في ظل مراعاتها مبدأ الأولويات الذي يفترض أن يرتبط بمحددات الكفاءة الداخلية المطلوبة من مؤسساته المنطلقة من تأكيد القيمة النوعية للمورد البشري وبنائه الفكري والمهاري، وفق مؤشرات دقيقة تراعي مستوى التكامل بين مجالاته وترصد معطيات التناغم بين واقع الممارسة وحجم الانفاق بين تقسيماته الادارية والتنظيمية والفنية.

د. رجب بن علي العويسي
[email protected]