يتفق خبراء بأن الاستجابة الفورية لمعظم البنوك الخليجية لقرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي برفع سعر الفائدة لديها في اتجاه معاكس للسياسة النقدية التوسعية المطلوبة خليجيا والتحرك من معدل الفائدة الصفرية على الدولار الأميركي والتي استمرت لمدة عشر سنوات، تعكس مدى قوة ارتباط السياسة النقدية الخليجية بتحركات سعر الفائدة الأميركية، وبنفس الوقت قدرتها على التغلب على انعكاسات هذه الارتفاع ولكي تستفيد بنفس الوقت من رفع جاذبية اقتصادياتها لتحاشي خروج رؤوس الأموال نحو الأسواق الأميركية.
وهذا الموضوع تحديدا، أي انعكاسات رفع سعر الفائدة على وضعية الاستثمارات في الاسواق الناشئة مع توقع تسربها بعد رفع سعر الفائدة الأميركي كان مدار بحث ودراسات خلال الأشهر الماضية، حيث يرى صندوق النقد الدولي أن رفع أسعار الفائدة يعني العودة لتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، الأمر الذي ينجم عنه تباطؤ في تدفق رؤوس الأموال الموجهة لأصول الأسواق الصاعدة أو يتخذ اتجاهاً عكسياً نتيجة لتحسن جاذبية السوق الأميركي، مما يؤثر على توافر التمويل في هذه البلدان أو على تكلفة الحصول عليه.
وتوجهت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى تحليل تأثيرات رفع سعر الفائدة على التدفقات الاستثمارية للأسواق الناشئة بما في ذلك أسواق دول مجلس التعاون الخليجي. وللتعرف على الاستجابة الممكنة من جانب دول مجلس التعاون الخليجي إزاء عودة السياسة النقدية إلى مسارها الطبيعي في الولايات المتحدة، نظرت الدراسة في فترتين سادهما التقلب في الآونة الأخيرة منذ أعلن الاحتياطي الفيدرالي خطط التراجع عن شراء الأصول. وقامت الدراسة بتحليل التدفقات الموجهة إلى صناديق الاستثمار في الأسهم والسندات ذات الصلة بدول مجلس التعاون الخليجي أثناء فترتي التقلب الملحوظ في الأسواق الصاعدة في عام 2013 وأوائل 2014.
وقد خلصت الدراسة إلى أن البلدان التي تتمتع بمراكز أقوى من حيث أوضاع المالية العامة والحسابات الخارجية تعرضت لخروج تدفقات أقل في الفترة الثانية، وهو الأمر الذي ينطبق على دول المجلس ويميز الأسواق الصاعدة الأخرى، حيث تتزامن في تحقيق قدر أكبر من الفوائض الخارجية وخروج قدر أقل من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية . وداخل مجموعة مجلس التعاون الخليجي، كان خروج التدفقات أقل في الغالب بالنسبة للبلدان ذات الفوائض الأعلى. كما تلاحظ الدراسة إن وجود هوامش وقائية كبيرة في حساباتها الخارجية كان عاملا مهما في تفسير خروج تدفقات رأسمالية محدودة من دول مجلس التعاون الخليجي في فترة التقلب الثانية.
ويبدو واضحا من نتائج الدراسة إن تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الداخلة إلى دول مجلس التعاون الخليجي سوف تحتفظ بدرجة من المرونة مع بداية رفع سعر الفائدة الأميركية، وأن ديناميكيتها ستظل متسقة إلى حد كبير مع التطورات في الأسواق الصاعدة الأخرى ولكن بقدرة أكبر على مقاومة تأثيرات رفع سعر الفائدة بالنظر لقيامها بتعزيز جاذبية اقتصادياتها من خلال الإنفاق وذلك ناجم عن الفوائض الخارجية التي كونتها دول المجلس في فترات ارتفاع أسعار النفط التي تبدو أنها تمثل عاملاً مهماً يساعد على الصمود أمام التحولات في مزاج المستثمرين وارتفاع أسعار الفائدة والبقاء على جاذبية استقطاب الاستثمارات.

حسن العالي