شكل الاهتمام بالمرأة والطفل في فلسفة النهضة المباركة أولوية الأولويات في الجهود الرامية إلى الارتقاء بالإنسان العماني، لكون المرأة هي أول الطريق نحو الاهتمام بالطفل بصفتها الحاضن الأول والمورد المبدئي للغذاء والدواء الضروريين لنموه. وما أن يأتي إلى الدنيا يصبح محط اهتمام الجميع من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الكبيرة المتمثلة في الحكومة والمجتمع؛ لذا لم يخرج الاهتمام بالطفل عن تلازمية العلاقة بين الاثنين (المرأة والطفل)، ومن هنا كان الاهتمام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالمرأة وتعزيز دورها في المجتمع وحفظ كرامتها وحقوقها وصيانتها تعظيمًا للدور الذي يتوقف عليها في القيام به خير قيام من مد المجتمع العماني بأبناء صالحين يعظمون قيمة مجتمعهم، ويسهمون في التنمية.
لقد كانت نظرة النهضة المباركة ـ منذ بزوغ فجرها ـ إلى الطفل على أنه رجل الغد والمستقبل الذي تتوقف على تنشئته كل الخطط والبرامج التنموية باعتباره الأداة والمحرك لها، ومن مستلزمات تنشئته الاهتمام برعايته صحيًّا واجتماعيًّا وتعليمه وتدريبه وتأهيله على أفضل وجه ليقوم بواجبه تجاه وطنه وأهله، ومن ثم فهناك ارتباط وثيق بين ظروف نشأة الطفل وحالته الصحية، سواء البدنية أو النفسية أو العقلية منها. فكلما حصل الطفل العماني على حقه في الصحة والتعليم والتأهيل، قربنا ذلك من تحقيق أهدافنا التنموية في كافة المجالات الأخرى.
إن الجهود التي تقوم بها السلطنة نحو رجال الغد والمستقبل لم تقف عند حد توفير الرعاية المجانية المتمثلة في الصحة والتعليم والتدريب والتأهيل، فلم تنظر إليه نظرة ربحية على أنه أداة إنتاج أو آلة، بل نظرت إليه نظرة احترام وتقدير ورعت حقوقه كاملة منذ كان نطفة في بطن أمه وحتى مماته، وفي سبيل ذلك، حرصت على وضع السياسات والقوانين والانضمام إلى المعاهدات الدولية، فاحتل موضوع حماية الأطفال أولوية في سياسات وبرامج السلطنة وفي مواد النظام الأساسي للدولة والتي تلتزم بتوفير بيئة آمنة تسمح بإجراء تطوير كامل لقدرات الطفل ومواهبه، واتخاذ الخطوات المناسبة في مجالات الصحة والتعليم والتي تسهم في رعاية الحاجات النفسية والاجتماعية والثقافية للأطفال، وذلك وفقًا لاستراتيجيتها الوطنية واستنادًا إلى مبدأ تحقيق أفضل المنافع للأطفال. ومن رحم الاهتمام بحماية حقوق الأطفال ولد قانون الطفل وقانون مساءلة الأحداث وقانون رعاية وتأهيل المعوقين وقانون الضمان الاجتماعي وقانون الجمعيات الأهلية وقانون الإتجار بالبشر وقانون الأحوال الشخصية، وغيرها من القوانين.
وتعميقًا للجهود القائمة وتعظيمًا لقيمة الإنسان، وحسب معالي الشيخ محمد بن سعيِّد الكلباني وزير التنمية الاجتماعية في تقديمه لتقرير السلطنة الوطني الثالث والرابع المقدم بموجب انضمام السلطنة لاتفاقية حقوق الطفل أمام لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة أمس الأول في مقر الأمم المتحدة بجنيف، تعكف السلطنة على إعداد استراتيجية وطنية للطفولة (2016 ـ 2025م) منذ نهاية عام 2013م، وذلك بالتوازي مع إعداد عدد من الوزارات لاستراتيجياتها العامة، كاستراتيجية العمل الاجتماعي (2016 ـ 2040م) لوزارة التنمية الاجتماعية، والنظرة المستقبلية للنظام الصحي لعام 2050م لوزارة الصحة، ما يؤكد على صدق التوجه والهدف للنهضة المباركة بأن الإنسان هدف التنمية ومحورها، ونجاحها في المراهنة على الإنسان منذ الوهلة الأولى، وأهمية الحرص على تلبية حقوقه في الخطط التنموية وتوفير مظاهر العيش الكريم؛ ولذلك لا غرو أن تحظى السلطنة بإشادة أعضاء لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة بالتقدم الذي أحرزته السلطنة في مجال حقوق الطفل، وكذلك بالتقرير المقدم للجنة والردود التي أبداها وفد السلطنة أمام اللجنة. ولا غرو أيضًا أن تتزامن هذه الإشادة مع مشاركة السلطنة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الاحتفال بيوم الطفل الخليجي الذي يوافق الـ15 من يناير من كل عام، حيث بهذه المناسبة صدر بيان إحصائي جديد عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يوضح أن عدد الأطفال العمانيين بلغ في منتصف عام 2015 (الفئة العمرية من 0 إلى 17 سنة) 965 ألفًا و747 طفلًا، مشكلين ما نسبته (2ر41) بالمئة من إجمالي العمانيين بواقع 104 ذكور لكل 100 أنثى مع مؤشرات جيدة بالصحة والتعليم، وأن (43) بالمئة من الأطفال العمانيين في المرحلة العمرية من (0 إلى 5) سنوات، و(31) بالمئة في المرحلة العمرية من (6 إلى 11) سنة و(26) بالمئة أعمارهم بين 12 و17 سنة من إجمالي الأطفال بعمر (0 إلى 17) سنة.