ونحن في شهر ربيع الأول نتذكر بعض فضائل الحبيب المصطفى )صلى الله عليه وسلم( على باقي الرسل الكرام وحينها نسجد لله تعالى شكرا على أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس وأرسل إلينا خير الرسل محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم( .. فاللهم لك الحمد يا ربنا على ما أنعمت به علينا وأوليت. أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت للناس عامة).
هذه أخي الكريم بعض الخصائص التي وهبها الله تعالى للرحمة المهداة وهي كثيرة وعظيمة، فهي تدل على شرفه ومكانته وعلو مقامه، وما خصه به رب العالمين سبحانه وتعالى من الخصائص الكثيرة ، ومنها هذه الخصائص الخمس التي ذكرت في هذا الحديث النبوي الشريف، وهذا يدل على شرفه وعلو قدره وكذلك شرف هذه الأمة المسلمة التي أعطي نبيها الكريم منحاً إلهية كثيرة ليكون خاتم الأنبياء وأفضلهم، وتكون أمته خير الأمم وأفضلها، ولنعيش مع هذه الصفات أو الفضائل الخمسة، وأولها قوله صلى الله عليه وسلم(:(نصرت بالرعب مسيرة شهر).
نعم أخي الكريم : لقد كان النصر في المعارك دائما مع النبي صلى الله عليه وسلم( ، لأن عناية الله تعالى ترعى نبيه الكريم في كل الأوقات, وما حصل في بعض الغزوات من هزيمة للمسلمين إنما كان تعليما لهم وتوضيحا لأمر أراده الله سبحانه وتعالى بهم، فمثلا في غزوة أحد لما خالف الرماة أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) وقعت لهم الهزيمة، وكذلك في غزوة حنين لما أعجبوا بكثرتهم وقعت لهم الهزيمة، ثم جاء النصر من عند الله سبحانه وتعالى، ومعنى الرعب هو: الخوف الذي يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلوب أعداء النبي (صلى الله عليه وسلم)، فإنه ما إن يعلم أهل الكفر بخروج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهم حتى يدب الرعب في قلوبهم، ولو كانوا بعيدين عنه، وهنا يقول ابن حجر:(وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى ولو كان وحده بغير عسكر).
ودليل ذلك ما حدث في غزوة حنين حينما ثبت (صلى الله عليه وسلم) على فرسه قائلا: (أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب)، وصدق الله العظيم وهو القائل في كتابه العزيز:(سنلقي فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً) (آل عمران ـ 151)، فكان النصر من عند الله تعالى، وقوله (صلى الله عليه وسلم(:(وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل).
نعم أخي المسلم: لقد كانت الأمم قبل رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم( إنما يصلون في البيع والكنائس، أما هذه الأمة فقد أكرمها الله تعالى، وخفف عنها، ويسر لها، فهي تصلي في أي موضع من الأرض تصلح الصلاة فيه، فهي تصلي في الصحراء، وفي الطرقات، وفي المساجد، وفي سائر المواضع التي تتاح فيها الصلاة، رحمة من الله تعالى وفضلا.
ولقد تكرم الله تعالى وزاد هذه الأمة أن جعل الصعيد طهورا لها، فهي تتيمم إذا لم تجد الماء، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:(فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) (المائدة ـ 6)، وقوله (صلى الله عليه وسلم):(وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لنبي قبلي).
والغنائم إذا أردنا أن نعرفها فنقول: هي ما يغنمه الجيش من العدو من سلاح وأموال وأمتعة وغير ذلك، مما يتركه العدو في أرض المعركة بعد هزيمته، ولقد كانت هذه الغنائم محرمة على الأمم السابقة فلا تأخذ منها شيئا، بل كانت تجمع وتحرق, لكن الله تعالى بفضله وكرمه أحلها لأمة المسلمين، وقوله (صلى الله عليه وسلم):(وأعطيت الشفاعة)، نعم لقد خص الله تعالى نبينا محمداً (صلى الله عليه وسلم) بالشفاعة العظمى في يوم الفزع الأكبر في ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها ويكون الناس سكارى، وما هم بسكارى في هذا اليوم الذي يشيب فيه الولدان، يشفع الرحمة المهداة لجميع الخلق لفصل القضاء، فإن الناس لما يطول بهم الوقوف، والشمس قد دنت منهم فيصيبهم من حرها الشيء الكثير، فمنهم من أصاب العرق حتى يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق الجاما، في ذلك اليوم يفزع الخلائق لأنبياء الله ـ عليهم السلام ـ يطلبون منهم الشفاعة إلى رب العزة (سبحانه وتعالى) في فصل القضاء، فيبرز لها الحبيب المصطفى، يشفع إلى مولانا الكريم في ذلك اليوم العظيم.
وقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) هذا فيه دليل على أن رسالة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) رسالة عامة شاملة تشمل الثقلين الإنس والجن، وهي رسالة للعرب والعجم لا فرق بينهم في شمولهم بهذه الرسالة، وهذه الخاصية لنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم), لم يشاركه فيها أحد من الأنبياء السابقين فرسالتهم خاصة إلى أقوامهم، فإذا مات النبي انتهت رسالته، وبعث نبي غيره، أما رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم( فهو رحمة الله للعالمين وهدايته للخلق أجمعين، وشريعته ناسخة لما قبلها من الشرائع، ودعوته قائمة إلى قيام الساعة، لا نبي بعده، ولا دين إلا دين الإسلام، قال تعالى:(وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (سبأ ـ 28).
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة يارب العالمين واحشرنا مع حبيبك محمد خير الأنبياء وخاتم المرسلين اللهم آمين. والحمد لله رب العالمين.

إبراهيم السيد العربي
إمام وخطيب جامع الشريشة ـ سوق مطرح / ولاية مطرح