أكد الكثير من آيات القرآن الكريم على الأمانة وأمر الله تعالى بردها إلى أهلها، قال الله تبارك وتعالى:(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (النساء ـ 58)، وجعل سبحانه وتعالى أداء الأمانة من تقواه ـ جل وعلا ـ فقال سبحانه وتعالى:(فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه) (البقرة ـ 283)، وقد مدح الله تعالى الأمناء في أعمالهم وفي حياتهم وأنهم يجعلون الأمانة نصب أعينهم فقال سبحانه عن الأبرار :(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)، ويقول (صلى الله عليه وسلم):(لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) وجاءت كثير من الآيات الكريمة التي تدعو إلى التحلي بخلق الأمانة حيث أن الأمانة فضيلة من أعظم الفضائل التي لا يستغنى عنها الفرد في الحياة ليصل إلى غايته المرجوة منها.
يظن كثير من الناس أن الودائع فقط هي الأمانات ولكنها نوع من الأمانة بل هي من أعظم الأمانات التي يجب حفظها وردها إلى أصحابها (فليؤد الذي اؤتمن أمانته ولتق الله ربه) (البقرة ـ 283)، ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم):(أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)، وفي هذا الحديث توجيه إلى ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم من التمسك بفضيلة الأمانة حتى مع الخونة الغادرين وحفظ الأسرار وعدم إفشائها ثم إذا تهاون الإنسان وأفشى سر غيره كان إفشاؤه حراماً إن كان فيه إضرار، وإن لم يكن فيه ضرر كان إفشاؤه لؤما ومما يتأكد حفظه من الأسرار ما كان بين الرجل وزوجه فعن أبى سعيد ـ رضي الله تعالى عنه ـ إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه وروي عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والرجال والنساء قعود عنده فقال:(لعل رجلا يقول ما يفعله بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلته مع زوجها) فسكت القوم فقلت أي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن قال: (فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون).
والمشورة أمانة، فعن أبى هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(المستشار مؤتمن) أي: أنه أمين فيما سئل فيه وعنه أنه (صلى الله عليه وسلم) قال:(من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه) ، والشركة أمانة فعن أبى هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما) والبيع أمانة إذا كان في المبيع عيبا ولم يظهره كان غشا كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لصاحب القمح الذي فيه بلل، (يا صاحب القمح ما هذا البلل) قال أصابته السماء يا رسول الله, قال:(هلا أظهرته من غشنا فليس منا) والأذان أمانة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن) قيل أنه مؤتمن على الوقت فلا يؤذن قبله ولا بعده وقيل مؤتمن على عورات البيوت لأن المؤذن كان يصعد المسجد ويؤذن والبيوت مكشوفة ومن الممكن أن يطلع على ما فيها من عورات لذلك لابد أن يكون المؤذن أميناً.
ليست الأمانة ودائع أو مشورة أو شراكة فحسب بل إن حرص الإنسان على أداء واجبه كاملا في العمل الذي يوكل إليه مظهر من أعظم مظاهر الأمانة فإخلاص العامل في عمله وحرصه على أداء واجبه وإتقانه صفة من صفات المسلم الحق، واستهانة الفرد بما يكلف من أعمال يستنتج شيوع التفريط في حياة الجماعة كلها ولا يرضى بذلك الإسلام، والقرآن الكريم يمدح الذين يراعون الأمانة في أعمالهم فيقول عز من قائل في سورة المعارج:(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون * والذين هم بشهاداتهم قائمون * والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك في جنات مكرمون).
فإذا أردت أن تكون أمينا فلتشاهد الفرق الواضح بين رجلين أمين وخائن فالأمين موضع ثقة الناس واحترامهم والخائن موضع سخطهم واحتقارهم ونتيجة ذلك أن ينجح الأول بينما يخفق الثاني والأمة التي أدركت أثر التحلي بهذا الخلق في حياتها فعملت على تنميته والاتصاف به بلغت مكانة كبيرة ومنزلة عالية في الحضارة والرقي.
والأمانة في حقيقتها شعور الإنسان بتبعته في كل أمر يوكل إليه فيراقب ربه الذي يطلع على سره وعلانيته ويعلم نجواه وحركات نفسه (وهو الله في السماوات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) (الأنعام ـ 3) ولكي يتخلق الإنسان بهذه الفضيلة عليه أن يكون ذا ضمير يقظ يدفعه إلى فعل الخير واجتناب الشر ويحفزه إلى أن يؤدى ما عليه من واجبات بعزيمة صادقة وهمة عالية نتيجة هذا الضمير الحي وثمرة مراقبة الله رب العالمين هذه المراقبة التي تدعوا إلى أداء الواجب على أكمل وجه وأحسنه حتى ولو نامت أعين الرقباء وغفل عنهم الحراس وسنحت لهم الفرص فهم يعلمون أن الله هو الرقيب عليهم.
فمن أراد أن يتصف بهذا الخلق العظيم فليعلم أن الأمانة يتسع مجالها لكل ما يجب حفظه وتأديته إلى أهله فهي كلمة واسعة المدلول تتسع لجميع العلاقات فالتزام الإيمان وتعهده بأسباب النماء والبقاء أمانة وإخلاص العبادة لله تعالى أمانة وإحسان المعاملة مع الأفراد والجماعات أمانة وإعطاء كل ذي حق حقه أمانة وقد جاءت النصوص الدينية وافية بهذا كله ففي مجال الإيمان والعبادة، يقول الله تعالى:(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) (الأحزاب ـ 72) وأي تقصير في النهوض بهذه التبعة خيانة لله ولدينه (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) (الأنفال ـ 27) وخيانة الله، تتحقق بترك الفرائض والتورط في الآثام، وخيانة الرسول، تتحقق بإهمال سنته وتعاليمه، وخيانة الأمانات، تتحقق بإهمال ما يجب حفظه ورده إلى مستحقه، وفي مجال الحكم يقول الله تعالى:(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (النساء ـ 58)، وقد روى مسلم عن أبى ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني فضرب بيده على منكبي ثم قال:(يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

أنس فرج محمد فرج