الحمـد لله رب العـالمـين، والصـلاة والسلام عـلى سـيـد الخـلـق أجـمعـين، وعـلى آله وصحـبه ومـن تـبعـهـم بإحـسان إلى يـوم الـدين وبعــد:
فـلازال الحـديث مـوصـولا عـن تفـضـيـل الـرجـل عـن المـرأة ،قال الله تبارك وتعـالى: (أفأصـفاكم ربـكـم بالبنين وأتخـذ مـن المـلائكة إناثاً إنـكـم لتـقـولـون قـولاً عـظـيـماً) (الإسـراء ـ 40)، والآيات الـدالة عـلى تفـضيـل الـرجـل عـلى المـرأة كـثيرة جـداً.
ومـن الأدلة عـلى أفـضـلـية الـذكـر عـلى الأنثى: أن المـرأة خـلـقـت مـن ضـلـع الـرجـل الأول، فأصـلهـا جـزء منه، فإذا عـرفـت هـذه الأدلة: أن الأنـوثـة نـقـص خـلـقي وضـعـف طـبيعي، فأعـلـم أن العـقـل الصحـيح الـذي يـدرك الحـكـم والأسـرار يقـضي بأن الناقـص الضـعـيف بخـلقـته وطبـيعـته، يـلـزم أن يكـون تحـت نـظـر الـكامـل في خـلـقـته، القـوي في طبـيعـته، ليجـلـب له ما لا يـقـدر جـلبه مـن النـفـع، ويـدفـع عـنه ما لا يـقـدر عـلى دفـعـه مـن الضـر.
قال الله تبارك وتعـالى:(الـرجـال قـوامـون عـلى النساء بما فـضّـل الله بعـضهـم عـلى بعـض وبما أنـفـقـوا مـن أمـوالهـم، فالصـالحـات قـانـتاتٌ حافـظـاتٌ للغـيب بما حـفـظ الله، واللاتي تخـافـون نـشـوزهـن فـعـظـوهـن واهـجـروهـن في المضـاجـع وأضـربـوهـن، فإن أطـعـنكـم فـلا تبـغــوا عـليهـنًّ سـبيـلاً، إن الله كان عـلياً كـبيراً) (النساء ـ 34).
وإذا عـلمـت ذلك، فاعـلـم أنه لما كانت الحـكمة البالغـة، تـقـضي أن يكـون الضـعـيـف الناقـص مقـوما عـليه مـن قـبـل القـوي الـكامـل، اقـتـضى ذلك أن يكـون الـرجـل مـلتـزما بالإنـفـاق عـلى نسائه، والـقـيام بجـمـيـع لـوازمهـن في الحـياة، كما قال الله تعـالى:(وبما أنـفـقـوا من أمـوالهـم) (النساء ـ 34).
ومـن يهـدي القـرآن للتي هـي أقـوم: إعـطـاء الـرجـل مـثـل حـظ الأنـثيين وهـذا مـن العــدل والهـدي للتي هـي أقــوم، لما يتـرتـب عـلى الـرجـل مـن النفـقات، ومال الـمـيراث: ما مسـحـا عـرقـاً لجـمعـه وتحـصـيله، ولا تسببا فـيه بشيء مـن الأسـباب وإنما هـو تمـلـيـك مـن الله، ملكهـما إياه تملـيـكاً جـبرياً، فاقـتضـت حكمة الحـكـيـم الخـبير، أن يـؤثـر الـرجـل عـلى المـرأة في المـيراث، وإن أدليا بسـبـب واحـد، لأن الـرجـل مـترقـب للنـقـص دائما بالإنـفـاق عـلى نسائه، وبـذل المهـور لهـن، وتـكـويـن الأسـرة والانـفاق عـلى الأولاد، والـبـذل في نـوائـب الـدهـر.
والمـرأة متـرقـبة للـزيادة بـدفـع الـرجـل لها المهـر وإنـفاقـه عـليها، وقـيامه بشـؤونها، وإيـثار مـترقـب النـقـص دائما عـلى مـترقـب الـزيادة دائـما لجـبر بعـض نقـصه المـترقـب، فحـكمـته ظاهـرة واضحة، لا ينكـرها إلا مـن أعـمى الله بصـيرته بالكـفـر والمعاصي.
ولـذا قال الله تعالى:(يـوصـيـكم الله في أولادكـم للـذكـر مثـل حـظ الأنثـييـن، فإن كُـنّ نسـاءً فـوق اثـنتـين فـلهـن ثـلثا مـا تـرك وإن كانـت واحـدةً فـلها النـصـف ولأبـويـه لـكل واحـدٍ منهـما السـدس ممـا تـرك إن كان له ولـد فإن لـم يـكـن له ولـد وورثـه أبـواه فلأمـه الثـلـث فإن كان له إخـوة فلأمـه السـدس مـن بعـد وصـيةٍ يـوصي بها أو دين، آبـاؤكـم وأبنـاؤكـم لا تـدرون أيهـم أقـرب لـكـم نـفـعـاً فـريضـةً مـن الله، إن الله كان عـليـماً حـكـيماً) (النساء ـ 11)، تلك هـي قـسمـة الله التي ليـس فـيها ظـلـم أو إجـحاف، فهـو أعـلـم بخـلـقه، ويشـرع لهـم ما يصلح دنـياهـم وآخـرتهـم.
ولأجـل هـذه الحـكـم التي بينا بها فـضـل نـوع الـذكـر، عـلى نـوع الأنثى في أصـل الخـلقـة الطبيعـية، جـعــل الحـكـيـم الخـبير الـرجـل هـو المسـؤول عـن الـمـرأة في جـمـيع أحـوالها، وخـصه الله بالـرسالة والنـبـوة، والخـلافـة والإمامة دونها، وملكه الطـلاق دونها، وجـعـله الـولي في الـنـكاح دونها، وجـعـل انتساب الأولاد إلـيه لا لها وجـعـل شـهادته في الأمـوال بشـهادة امـرأتـين في قـوله سـبحانه وتعـالى:(فـإن لـم يـكـونا رجـل فـرجـل وامـرأتان مـمـن تـرضـون مـن الـشهـداء ..) (البـقـرة ـ 282).
قال الله تبارك وتعـالى:(ومـن آياته أن خـلـق لـكـم مـن أنفـسكـم أزواجـاً لتـسـكـنـوا إلـيها وجـعـل بيـنكـم مـودةً ورحـمة إن في ذلـك لآياتٍ لـقـومٍ يـتـفـكـرون) (الـروم ـ 21).
وقـد فـسـر بعـض المفـسرين قـوله تعالى:(لتـسـكـنـوا إليها) تفـسـيراً بسيـطـاً، فـقـالـوا : بمعـنى: لتمـيلـوا إلـيها، حـقـاً في السكـون مـيـل، بـدلـيـل قـوله:(إلـيها) ولكـن أصـل السكـون في اللغـة العـربية، هـو الاسـتقـرار والـطـمأنينة الـذي هـو ضـد الحـركة، فـتـقـول: سـكـن هـذا الشـيء إذا ثـبت وصار لا يـتزلزل ولا يتحـرك ولا يتـذبـذب، وتـقـول: اشـترى فـلان داراً ليـسـكـنها، أي: ليسـتـقـر فـيها، بـفـارق معـنى سـكـن أبـداً، وهـذا ما نلاحـظـه.
ولـكل كـلمة في العـربية معـنى لا يـكاد يـفـارقـها مهـما تصـرفـت، إذ قـد تخـتـلـف الـمـواد والصـيـغ منها إلى اسـم الفـاعـل، واسـم المـفـعــول والمصـدر .. وغـيرها، وقـد تسـتعـمـل في معـاني قـد تـبـدو بعـيـدة عـن الأصـل، ولـكـن عـنـد التحـقـيـق نجـد المعـنى الأصلي مـلازماً لها، وعـلى هـذا يجــب أن نفـهـم قـوله تعـالى:(لتـسـكـنـوا إلـيـها ..).
ولمـن يـقـرأ بإمـعـان فـليـتـذوق حـلاوة كلمة:(لتـسكـنـوا) ومـقـامها السامي في الآية وفي الحـياة الـزوجـية، وتمـكـنها في هـذه المـقـام، حتى لا تـوجـد كلمة تسـد مسـدها أبـداً، ولاشـك أن الله خـالـق الأزواج كلهـا، وكل مخـلـوق مـن مخـلـوقات الله تعـالى آيـة مـن آياته سـبحانه وتعـالى، ولـكـن الله تعـالى خـص الـكـلام هـنا عـلى خـلـق الأزواج مـن الأنفـس البشـرية، والخـطـاب لـبني آدم.
فـلا يكـفـيـنا قـول مـن قـال: إنه بمعـنى: لتـمـيـلـوا إليها لا، لا يكـفـيـنا هـذا وليـس المـراد المـيـل فـقـط، وإنما يـريـد سـكـن النـفـس والطـمأنينة والاسـتـقـرار وهـذا ما يشـعـر به الـزوجـان إذا رزق كـل واحـد منهـما زوجـاً صالحاً في صاحـبه، فهـو قــد يـدخـل البـيـت مـضـطـرباً قـلـقـاً بسبـب أعـماله وهــمـومـه الخـارجـية، حـتى إذا أوى إلى بـيـته يجـد امـرأة صالحة، فـيطـمئـن ويـذهـب عـنه كـل ما أصـابه مـن قــلـق، واضـطـراب نفـسي أو فـكـري، بكـلامها وحـسن عـشـرتها، والقـيام بشـؤون بـيـتهـا وتـربـية أولادهـا إلى غـير ذلك مـن الأمـور.
قال الله تبارك وتعـالى:(يا أيهـا الــذيـن آمـنـوا إن مـن أزواجـكـم وأولادكـم عـدوا لـكـم فـاحـذروهـم وإن تعـفـوا وتصـفحـوا وتغـفـروا فـإن الله غـفـور رحـيـم). (التـغـابن ـ 14)، نـعـم: يـمـكـن أن تحـمله عـلى كـسـب الحـرام، وقال تعالى:(إنمـا أمـوالـكـم وأولادكـم فـتـنـة والله عـنـده أجـر عـظـيـم) (التغـابـن ـ 15).
أما عـادة الـنـساء في السـلـف الصـالح، فـكانـت الـواحـدة منهـن تـقـف كل يـوم، مـودعـة زوجـها قـبـل ذهـابه إلى عـمله وتـقـول له: يا فـلان اتـقي الله فـيـنـا فـنحـن بـك، نصـبر عـلى الجــوع ولا نصـبر عـلى الحـرام، إنهـا أخـلاق عـالية، الأخـلاق الـعـظـيمـة مـبنـية عـلى الإيـمان الـكامـل الـراسـخ في القـلـب.
.. وللحديث بقية.

ناصر بن محمد الزيدي