مع كثرة التعليمات الشفهية التي يصدرها المسؤولون بمختلف مستوياتهم الإدارية في المؤسسات، خاصة الخدمية منها لموظفيهم ممن يجلسون على منافذ الخدمة ومواجهة المراجعين، وأغلب تلك التعليمات ترتكز إما لمواكبة مستجدات طرأت على تقديم الخدمة، وأصبحت الإجراءات المتبعة تعيق حصول المجتمع عليها لأنها تعرقل حاجته الملحة والضرورية لها مما يستدعي ذلك تدخل المسؤولين الأعلى في الجهاز الخدمي لحلها حفاظا على علاقة المجتمع بجهازه، أو لتجاوز قرارات أو آليات عمل أو اجتهاد في إدخال إجراء لخدمة أحد ما لإنهاء معاملة والحصول على الموافقة على طلبه، فلماذا لا يؤطر ذلك على شكل قانون إذا سلمنا به جدلا أنه واقع تحت ما يسمى بقانون التعليمات الشفهية؟ لكي يتيح لمن لا يعلم بأمر هذه التعليمات ويتشدد في تقديم الخدمة دونما إدراك أو علم بالإجراء غير المكتوب أن يساعد هو الآخر في تسهيل الخدمة شأنه شأن ذلك الذي لديه صلاحية شفهية الإجراء، مثله مثل قانون الاستثناءات الذي أشير إليه في القانون الأصلي لتقديم الخدمة، وأجاز لمن له حق صلاحية الاستثناء أن يستثني الحالات التي يقدرها في ذلك شريطة أن يكون الاستثناء مكتوبا خلافا لشفهية الإجراء والذي يتسبب في الاختلاف في تقديم الخدمة ببن قطاعات المؤسسة الخدمية الواحدة في المحافظات؛ بمعنى من يوجه له الأمر الشفهي على سبيل المثال في مكان ما ويصبح قاعدة يلتزم بها الموظفون لا يستطيع أن يعمل به موظف آخر وفي موقع آخر من مواقع الخدمة؛ لأنه لم يصل إليه الأمر أو التعليمات الشفهية، وبالتالي يظهر أوجه الاختلاف في التطبيق للأسف الشديد من مكان إلى آخر، فمثال على ذلك ما يطبق في مسقط لا يطبق في محافظة أخرى على اعتبار أن الأوامر أو التعليمات التي صدرت لم تأخذ صفة العمومية بل استأثر بها مسؤول تنفيذي واحد فقط، وعمل بموجبها فأخذت طابع الاستمرارية التي لا تحمل صفة القانونية.
غياب قانونية تقديم الخدمة أو على الأقل الإجراء المكتوب لها يضع الكثير من الموظفين في مواجهة مع التدقيق الداخلي، أولا على مستوى الوحدة التي يعملون فيها، وثانيا مع جهاز الرقابة المالية، انطلاقا من أن العديد من الخدمات حساسة وتجاوز تقديمها إيقافا أو تسهيلا لا شك يعد مخالفة إن لم يكن ذلك مستندا إلى إجراء قانوني، وغالبا ما يكون الموظف هو الضحية إذا ما أنكر من وجه الإجراء أو التعليمات الشفهية أو خرج من الجهة التي يعمل فيها لأي سبب من الأسباب في ظل استمرار التعامل بنفس المنهجية التي صدرت عن ذلك المسؤول، فضلا عن أن ذلك يسبب للمخططين صعوبة في تطبيق البرامج التي يمكن أن توحد عملية التطبيق على مستوى الوحدة، ولعل ذلك مع استمراره ربما يؤدي إلى التشجيع على الفساد وغياب عدالة المساواة في الحصول على الخدمات، فلماذا نصل إلى هذه المرحلة في الوقت الذي تعد فيه السلطنة من الدول التي تولي الجانب القانوني والتشريعي أهمية كبيرة؟
كما أن مثل هذه الأوامر والتعليمات الشفهية وإن كان يراد من خلالها حسن النية في التسهيل لتقديم الخدمة لبعض الحالات التي قد تطرأ أثناء التقديم ولم يعالجها الإجراء المكتوب، إلا أن ذلك أصبح في الوقت الحالي لا يتناسب مع توجه الحكومة في التحول الإلكتروني لجميع الخدمات المقدمة، وبالتالي فإن مثل هذه المعالجات غير المكتوبة أو ينص عليها قانون أو لائحة أو قرار تكون خارج ذلك التوجه إلا إذا وضعت في قالب قانوني وأدخلت في برامج الخدمة الإلكترونية، وأصبح الكل على علم بها سواء كان ذلك بقصد الاستفادة من تسهيل أو ضوابط جديدة تحكم عملية تقديم الخدمة، ولعل البعض يرى أن التطرق إلى مثل هذه الأمور يعد ثانوية، وتلك نظرة غير واقعية على اعتبار أنها أصبحت عادة تُمارس إن لم يكن في كافة أجهزة الخدمة، فهي في معظمها وتتفاوت بتفاوت حجم المسؤولية الخدمية الملقاة على كاهل ذلك الجهاز أو المسؤول عنه الذي يحتاج دائما إلى التنبيه ممن تصدر إليه التعليمات بأن تكون مكتوبة.
مع كل تلك المعطيات وغيرها من العوامل التي قد تؤثر سلبا أو إيجابا ومع قناعة البعض في الاستمرار في التعاطي مع هذا التوجه، والحرص على أن يكون جزءا من إجراءات تقديم الخدمة يبقى السؤال مطروحا: لماذا لا يتحول إلى اجراء مكتوب يعالج من خلال قرار أو لائحة ويقضى على الاجتهاد ويوفر مظلة حماية لمن يقوم على تنفيذه، ويواكب من ناحية أخرى الاتجاه الذي بدأت الحكومة المضي فيه بإحلال التقنية محل العنصر البشري تسهيلا وتبسيطا لطالب الخدمة بالتحول إلى الحكومة الإلكترونية توفيرا للمال والجهد، وتعويد الناس على عدم اللجوء المستمر إلى المسؤول للموافقة والاستثناء أسوة بما حظي به غيره، فبالتقنية سيدرك الجميع أن الكل متساوٍ، وسيكتسب ثقافة التعامل مع خدمات أسهل وأسرع ،ويتجنب الاستجداء الذي للأسف الشديد يستمتع به البعض، وربما تختفي معها الأوامر أو التعليمات الشفهية.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]