منذ أن دخل العالم في أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة انخفاض سعر النفط في يوليو 2014 حتى راحت كل دولة - خاصة النفطية - تبحث عن الطرق التي تعوض بها ما فقدته من أرباح نتيجة هذا الانخفاض وبالطبع من تلك الدول بلادنا الحبيبة حيث أخذ الحكماء والخبراء يبحثون عن البدائل والإجراءات اللازمة التي تعزز من مكانة الدولة المالية وتجنبها الدخول في عجز موازنة كبير يؤثر على مسيرة النهضة المباركة ويوقف المشاريع التنموية التي نعول عليها جميعا الكثير في النهوض باقتصاد البلاد وحرصت حكومتنا الموقرة تحقيق الرفاهية للمواطن مع محاولة عدم المساس بالمستوى المعيشي الخاص به حيث اعتبرته خطا أحمر لا يجب المساس به وهذا يتضح من طول المدة منذ بداية الأزمة فطوال أكثر من عام ونصف وهي تحاول جاهدة الحفاظ على الاتزان المالي للدولة والإبقاء على مستوى دخل الفرد مناسبا وتقليل نسبة التضخم قدر الإمكان.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فالنفط ينخفض سعره يوما بعد يوم والأزمة تشتد والعجز المتوقع يهدد المسيرة التنموية .. فلم تجد الحكومة بدا من ترشيد الإنفاق الحكومي وتعديل بعض القوانين وإصدار تشريعات تزيد من الدخل الوطني مثل تعديل قوانين ضريبة الدخل واستثمار رأس المال الأجنبي وشركات التأمين.
كما اضطرت لإصدار قرار برفع جزء من الدعم عن المحروقات والذي بدأ تطبيقه يوم الجمعة الماضي ليتراوح سعر لتر الوقود بين 160 و140 بيسة وما أن تم الإعلان عنه حتى قامت الدنيا ولم تقعد ورأينا مواقع التواصل الاجتماعي تعج بانتقادات لاذعة لمن أصدر هذا القرار وكأننا أول دولة تتخذ هذا الإجراء رغم أن دول الخليج التي تحيط بنا اتخذت هذا الإجراء منذ بداية الأزمة.
لاشك أن الدولة لو لم تكن مرغمة على رفع سعر الوقود ما رفعته ولو كانت تريد استنزاف جيوب المواطنين كما يدعي البعض لتم تطبيق رفع الدعم والنفط في أوج عزه وسعره مرتفع وقتها كان فرق السعر سيوفر أكثر من الوقت الحالي .. وبالتالي الصيحات التي أطلقت للتنديد بالقرار تبرهن على عدم وعي من يطلقها بحجم الأزمة التي يعيشها العالم أجمع وبتداعياتها على الموقف المالي للدولة .. بالإضافة إلى أن الأسعار الجديدة ليست بمنأى عن التوجه العالمي بل على العكس بعد الزيادة مازالت أقل من الأسعار العالمية للمنتجات النفطية التي تعتمدها كثير من الدول ويقترب سعر الوقود الجديد من الحدود الدنيا له في العالم.. كما أنه ليس من المقبول أن يستمر الدعم إلى ما لا نهاية وتحت كل الظروف.
بالتأكيد يتخوف الجميع من انعكاس ارتفاع سعر الوقود على أسعار مجمل السلع وهذا شيء طبيعي فنقل تلك السلع وإنتاجها وتصنيعها يستهلك وقودا وبالتالي سترتفع التكلفة نظرا لأن التاجر لن يتحمل فرق الأسعار وحده بل سيحمله للمستهلك ولكن الزيادة في سعر الوقود والتي تتراوح بين 14 و26 و40 بيسة لا يجب أن ترفع الأسعار بشكل جنوني لأنها فروقات بسيطة خاصة في الديزل الذي يستخدم في نقل وإنتاج السلع المختلفة وعلى التجار عدم استغلال هذا الارتفاع لتضخيم سعر هذه السلع .. وهنا تقع المسئولية على المواطن كما هي على الهيئة العامة لحماية المستهلك بالإبلاغ حال ملاحظة ارتفاع بعض السلع والخدمات بشكل مبالغ فيه .. فالهيئة مشكورة تبذل قصارى جهدها لمحاربة الغش ورفع الأسعار بشكل غير مبرر لكن المواطن هو الذي يشعر بهذا الارتفاع أكثر من خلال شرائه للسلع المختلفة لذلك عليه أن يبلغ عند حدوث تجاوزات من قبل التجار لأننا أولى بحماية أنفسنا من جشعهم وكلما أظهرنا تعاونا مع الجهات المعنية بمراقبة الأسواق والأسعار انخفض معدل الغش والاستغلال والتحايل على المستهلكين.
إن لكل مرحلة ظروفها ومعطياتها ويجب أن يتكيف الإنسان مع هذه الظروف .. والتحديات الكبيرة التي تتعرض لها البلاد يجب أن يتحمل المواطن مسئوليته في مواجهتها .. فطوال سنوات ارتفاع سعر النفط كان العماني ينعم بالعيش الرغيد والرفاهية ولكن الظروف الراهنة فرضت على الجميع حكومة وشعبا اتخاذ توجه جديد حتى نقلل العجز المالي الحقيقي ونمضي قدما في طريق النهضة والتنمية فقد قدر العجز في موازنة عام 2015م بـ 2.5 مليار ريـال أي ما يعادل 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة .. ويكفي أن نعرف أنه تم تسريح آلاف الموظفين العاملين في شركات النفط العالمية وتخفيض رواتب البقية منهم بنسبة 10% بينما تتجه حكومتنا لتوفير آلاف الوظائف للباحثين عن عمل وهذا بالتأكيد يعتبر عبئا على ميزانيتها لذلك فإنها ستقوم باستغلال الفروقات بين الأسعار في توفير فرص عمل للمواطنين وبما يعود على البلاد بالنفع والخير.
على كل مواطن أن ينظر إلى "نصف الكوب المملوء لا الفارغ" أي عدم النظر لسلبيات قرار رفع الدعم فقط بل لينظر لإيجابيات القرار في تخفيف الأعباء عن كاهل الحكومة بتحسين الوضع المالي للسلطنة وتوفير استدامة الاستقرار له وخفض عجز الموازنة وتعزيز سياسة اقتصاد السوق الحر وترشيد استهلاك الوقود والحفاظ على البيئة من خلال تقليل عوادم السيارات إلى جانب تقليل حوادث المرور وغيرها من الإيجابيات.
لقد مرت بلادنا بالكثير من التحديات واستطاعت أن تقهر الصعاب وبإذن الله ستتخطى المرحلة الصعبة الحالية التي تفرضها المتغيرات الاقتصادية بسلام خاصة مع التوجه لتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد بشكل كلي على النفط كمورد أساسي للدخل الوطني في ظل توقع استمرار انخفاض سعره لعدة سنوات ولكن إلى أن يتم ذلك علينا جميعا الوقوف خلف قيادتنا الحكيمة كما كنا دائما فمهما كثرت موارد الدولة فإنها تظل محدودة وتحتاج لمن يديرها بحكمة لتعود على الأجيال الحالية والقادمة بالخير والنماء.
لاشك أننا بحاجة لإعادة صياغة وعي المواطن وتعريفه بالتكلفة الحقيقية لكل لتر بنزين يستهلكه وكل سلعة يستخدمها وكل خدمة تقدم له سواء صحية أو تعليمية أو غيرها حتى يقدر ما تبذله الحكومة من جهود لتوفير الرفاهية والخير له ساعتها سيحمد الله على نعمه ظاهرة وباطنة.

* * *
مبارك .. السلطنة صديقة للطفل
حرصت قيادتنا الحكيمة منذ أن انطلقت شرارة النهضة المباركة على الارتقاء بالإنسان العماني أيا كان نوعه أو عمره سواء كان رجلا أم امرأة أم طفلا .. وذلك انطلاقا من أن الرجل بسواعده وبفكره يبنى الوطن وتتقدم مسيرة التنمية .. وأن المرأة نصف المجتمع والمصنع الذي يمد الدولة بمواطنين صالحين لذلك فإن دورها في التنمية لا يقل عن أخيها الرجل .. وأن الطفل هو رجل الغد وأمل الأمة وبتنشئته والاهتمام به صحيا وتعليميا وثقافيا وسلوكيا يستقيم مستقبل البلاد.
والإشادة الأممية من قبل لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة بجهود السلطنة في مجال حقوق الطفل الدليل الدامغ على صواب السياسة الحكيمة في التعامل مع قضايا الطفل والاهتمام السامي بتحقيق أفضل مصلحة له وذلك بعد اطلاع اللجنة على التقرير الوطني الثالث والرابع للسلطنة والمقدم بموجب انضمام الدولة لاتفاقية حقوق الطفل بحيث تأهلت السلطنة لأن تكون دولة صديقة للطفل.
لقد أوضح معالي الشيخ محمد بن سعيد الكلباني وزير التنمية الاجتماعية ورئيس الوفد في تقديمه للتقرير سياسة السلطنة أعطت حماية الطفل أولوية خاصة حيث حرصت على توفير بيئة آمنة له تساهم في تطوير قدراته ومواهبه كما اتخذت التدابير اللازمة لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية الكافية التي تحقق له الاستقرار النفسي والاجتماعي والثقافي وسنت القوانين التي تحميه من غدر الزمن واستغلال الكبار.
إن قيادتنا الحكيمة حرصت على إعطاء كل إنسان يعيش على الأرض الطيبة حقوقه كاملة كبيرا كان أم صغيرا وعندما تسعى لتوفير العيش الكريم للأسرة العمانية فإنها بذلك تحققه لكافة أفرادها إيمانا منها بأن استقرار جميع أفراد الأسرة يؤدي في نهاية المطاف للتنمية المستدامة المنشودة.
اهتمام السلطنة بالطفل يبدأ منذ بداية تكوينه كجنين في بطن أمه عن طريق برامج قسم صحة الأم والطفل التي تقدم للحوامل خدمة متابعة الجنين وعمل الفحوصات الدورية وإعطائها الأدوية التي تحافظ على صحتها وصحة جنينها ثم تستمر الرعاية بعد الولادة بتقديم التحصينات حتى دخول الطفل للمدرسة وخلال سنوات الدراسة .. ثم تأتي الخدمات التعليمية المجانية والثقافية وإدراج اهتمامات واحتياجات الطفل في كل فعالية ثقافية أو تربوية أو صحية تقام وتخصيص الموازنات المالية للبرامج الإنمائية المتعلقة بتنمية الطفولة وتعزيز برامج الرعاية والتأهيل والحفاظ على حقوق الطفل وغير ذلك من الخدمات والجهود التي لا تخفى على أي أسرة.
لاشك أن اهتمام السلطنة بالطفل شيء طبيعي لأن هذه الفئة العمرية تشكل ما نسبته 41.2% من إجمالي العمانيين أي أن ما يقرب من نصف الشعب أطفال والنصف الباقي يقوم على شئون النصف الأول لذلك فإن الاهتمام بهذه الفئة يعتبر اهتماما بالشعب ككل.

* * *
آخر كلام
من الأفضل أن يموت الرجل واقفا على قدميه .. على أن يعيش جاثيا على ركبتيه.

ناصر اليحمدي