[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
أفول السياسة ومحاولة استعادتها
الحلقة الخامسة
ــ وفي سؤاله حول العلاقات مع روسيا، رأى مساعد الرئيس البيلاروسي:
* إن العلاقة مع روسيا هي ضمانة حقيقية للاستقرار في بيلاروسيا. كما أن روسيا ليست شريكة فقط, في التاريخ ووحدة الثقافة، ولكن أيضاً في المجالين الاقتصادي والسياسي. إن 50% من حجم تجارتنا هي مع الفيدرالية الروسية. أزيد القول, أن الأمن في الجمهوريتين موحد, ونحن نتلقى مساعدات دائمة من روسيا. لكل هذه العوامل نرى في روسيا حليفاً وشريكاً استراتيجياً لنا.
ــ وعن سؤالي حول حقيقة تغلغل القوى الصهيونية في بيلاروسيا، وبخاصة في مجالي الإعلام والاقتصاد، قال محدثي:
* هذا لا يفاجأني، ولا يفاجىء أحداً. لعل الميزة الرئيسية في اليهود أنهم منظّمون كثيراً. نعم في بيلاروسيا نسبة كبيرة من اليهود، وبغض النظر عن قلتهم أو كثرتهم لكنهم مؤثرون. فمثلاً طريقة عملهم تتلخص في حيازة أكبر كمية من الدولار في بيلاروسيا، وربط ما يملكونه من عملة صعبة ,بالمصارف الأمريكية، وتحديداً بمصرف «الترانس ناسيونال». نحن نسعى بالمقابل إلى تنمية اقتصاد الدولة، ونحاول عدم ربط العملة الصعبة بهذه المؤسسات ، التي تؤسسها وتشرف عليها الحركة الصهيونية .نريدهم أن يضعوا ما لديهم من عملة صعبة في المصارف البيلاروسية، فذلك سيعمل على تقوية اقتصادنا .
أما في المجال الإعلامي، فما قلتَه لي في البداية عن عرض التليفزيون المركزي البيلوروسي 7 حلقات عن الماسونية, من زاوية محاسنها وإيجابياتها، وبموافقة نائب رئيس التليفزيون، فهو صحيح، لكنه أُعفي من منصبه، وجدَ عملاً بسهولة بالطبع، فالحركة الصهيونية تقف من ورائه بكل قوة.
نحن دولة قانون، لن نعتقل مواطناً بيلاروسيا دون ثبوت تهمة عليه. حركة اليهود في بيلاروسيا هي ضمن القانون والحرية المتاحة لكافة المواطنين, مهما اختلفت دياناتهم. لدينا حرية ممارسة الشعائر الدينية، ونحترم الأقليات الموجودة في بيلاروسيا.
ــ بالنسبة لسؤالي حول رؤية النظام في بيلاروسيا للصراع في سوريا، أجاب محدثي قائلاً:
* ما يجري في سوريا هو مخطط دولي تقوده الولايات المتحدة ودول غربية عديدة، لتفتيت سوريا إلى دويلات مذهبية، طائفية وإثنية. ذلك بعد أن نجحت محاولاتهم إلى حدّ ما في العراق وليبيا. الوضع في سوريا يؤثر على الوضع في أوروبا. الحرص على تطبيق الديموقراطية في سوريا عبر إزاحة النظام ... هو ديماجوجيا كبيرة وهراء، ويهدف إلى تغطية مخططاتهم الشريرة فيها. الاستراتيجية الأمريكية فشلت في سوريا، لذا بدأت واشنطن والغرب عموماً في تقبل الحل السياسي بعد الفشل الكبير لاستراتيجيتهم.
هم أرادوا تفتيت سوريا لمصلحة "إسرائيل". نحن أعلنّا ولانزال نعلن هذا الموقف، الذي نعتز به: حيثما يتدخل الأميريكيون والغرب يحلّ الدمار. في سياستنا السورية نحن على تنسيق دائم مع الحكومة الروسية ,حول العلاقات البيلاروسية مع الدول العربية ومع "إسرائيل".
ــ عن العلاقات العربية البيلاروسية يقول الصحفي إيغور:
* لدينا رجال أعمال عرب. نحن نسعى لإقامة أفضل العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع كافة الدول العربية, بلا استثناء. كما نطمح إلى المزيد من الاستثمارات العربية في بيلاروسيا، وليس من عائق أمام هذه الاستثمارات فيما لو حدثت.
ــ حول القضية الفلسطينية، يستطرد المساعد الصحفي للرئيس: نحن نؤيد نضال شعبكم العادل ضد الاحتلال "الإسرائيلي" لبلدكم. نحن نسعى لإقامة علاقات صداقة حقيقية مع كل من فلسطين و"إسرائيل". نحن نؤيد قيام دولتكم. أما حول تساؤلات لي خلال الحوار فقد أكد محدّثي على:
* أنه لا يوجد معتقلين سياسيين من المعارضة في سجون بيلاروسيا.
* إن قوة التأثير اليهودي في بيلاروسيا تعود لأسباب تاريخية عديدة.
* كما أكدّ على أهمية الاقتراب الرسمي العربي من بيلاروسيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
بعد حوار امتد ساعةً ونصف الساعة، طلب حسّان من النادلة المسؤولة إحضار أطباق الأكل, وكانت في معظمها فرنسية ! إذ تبين أن المطعم متخصص بها ،كالعادة وفي كل المطاعم الأوروبية، فإن التدخين ممنوع إلا في أماكن محددة ، وهو ما دعانا إلى قطع الحوار ومتابعته مرارا في مكان التدخين.
* * *
مطعم راقٍ في الجزء القديم من مينسك، وقد جرى ترميم مبانيه بشكلٍ أخّاذ, مع المحافظة على أشكالها تماماً. مستثمر لبناني افتتح المطعم. كنت على موعد الغداء مع السفير في الثانية بعد الظهر. ذهبت ماشياً من الفندق إلى هذا الحي العريق بتاريخه. قبل ثلاث ساعات، تجولت فيه، زرت كنائسه ومبنى البلدية القديم، وأماكن شهدت فصلاً رئيسياً من مقاومة المدينة للمحتل النازي في الحرب العالمية الثانية. ينطق الحاضر بعبق التاريخ، قاومت بيلاروسيا المنضوية في الاتحاد السوفييتي وانتصرت. حقائق الصراع تؤكد بما لا يقبل مجالاً للشك, حتمية انتصار شعبنا على الفاشيين والنازيين الجدد. هؤلاء الذين جاءوا من كافة بقاع العالم ليقتلعوا شعبنا من أرضه ! قوّلوا الله والأنبياء ما لم يقولوه، كانت وستظل فلسطين الخلود فلسطينية عربية. سيسجّل التاريخ يوماً على إحدى صفحاته السوداء، أن عصابات إرهابية من قطّاع الطرق وشُذّاذ الآفاق, قاموا باحتلالها زمناً ...غير أنه سيخطّ على صفحة مضيئة ومشرقة تالية: أن شعبها انتصر على السفاحين المجرمين, في معركة الحق الفاصلة بين مرحلتين وزمنين, واستعادها أهلها شبراً شبراً، وقام بطرد الغزاة الذين دنّسوا ترابها الطاهر فترة زمنية,هؤلاء الذين لا يمتلكون غير خيارٍ واحد: أن يحملوا عِصيّهم على كواهلهم ويرحلون.
سبحَت في رأسي هذه الأفكار وأنا أنظر من الباحة الخارجية لمقهىً منثورٍ على الشارع، الذي يعجّ بالمقاهي. اتطلّع ما حولي بحزن الوطن الكامن في فؤاد، أقارنه بعلامات الانتصار التي أرقبها على يميني ومن أمامي، أحيكها أملاً أكيداً بانتصارنا وتحرير وطننا الفلسطيني,وأرضه الطاهرة, التي ما انحنت يوماً لعاصفة وغازٍ محتل.
اقترب الموعد، مشيتُ إلى المطعم، استقبلني خالد ، وقام بتعريفي إلى ثلّة من رجال ونساء يبلغون عشرين شخصاً متوسطي الأعمار، يمثلون أوساطا مختلفةفي المدينة. كانت فرصة للتعارف والنقاش كالعادة في الشؤون البيلاروسية، العربية والفلسطينية.أحاديث مختلطة بالحنين الدائم إلى مينسك، ولمرحلة اعتززت واعتز بها حتى لحظتي، وهي مرحلة تخصصي فيها. في القاعة المخصصة للحفلات الصغيرة، التي تضمن الخصوصية، والمزيّنة جدرانها الزاهية بلوحات تقليدية لفنانين بيلاروس، ونقوش شعبية من التراث... جلسنا على أرائك عالية وثيرة. احتلّ مكاناً بجانبي شابٌ يعمل مديراً للمتحف الوطني البيلاروسي، قدّمه إليّ السفير باسم «رسلان»، تبادلت وإياه كرتَينا الشخصيين قبيل انتهاء الغداء، لأفاجأ بالقسم الثاني من اسمه «أبراموفيتش». بالطبع لا يحتاج المرء إلى ذكاء ليعرف ديانته. حاولت توجيه بعض الأسئلة إليه لمعرفة اتجاهاته السياسية حول قضايانا العربية والفلسطينية تحديداً. أظهر تقدميةً متطورة: مؤيّدْ لنضالات أمتنا وشعبنا في كل المعارك الوطنية. اتفقت وإياه على زيارته في المتحف في العاشرة من صباح اليوم التالي.