توالت خلال الأسبوع الماضي قرارات الحكومات الخليجية برفع أسعار المشتقات النفطية المقدمة للمواطنين وكان آخرها الحكومة القطرية التي قررت رفع سعر البنزين بنحو 30%. ونحن وإن كنا نرى إن هذه القرارات، بالذات إعادة النظر في الدعم المعمم، له مردود ايجابي مباشر على الميزانيات الحكومية وبالتالي الاقتصاديات الخليجية، إلا إننا أيضا مازلنا نرى بأن لا بديل دائم وطويل الأمد للخروج وعدم تكرار الدخول في مثل الأزمة الراهنة هو تقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل بدلا من التركيز على تنويع مصادر الميزانية لآن الفترة الماضية أثبتت أن هذا البديل الاخير يعني بشكل أو بآخر قضم حقوق المواطن ومستوى معيشته.
وعلى سبيل المثال، تطرقت رؤية البحرين 2030 إلى ضرورة الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل من خلال تبني إصلاحات متكاملة تركز على تغيير النموذج الاقتصادي الحالي الذي يعتمد على كثافة العمالة الرخيصة إلى نموذج اقتصادي جديد يستجيب لتحديات تقليل الاعتماد على النفط وايجاد أنشطة مستدامة تولد وظائف مجزية للمواطنين.
ويقدر عدد الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص في البحرين سنويا و يتجاوز راتبها الشهري 500 دينار بحريني بنحو 1,100 فرصة عمل فقط للبحرينين ، وحوالي 2,700 لغير البحرينيين , وحتى في ظل هذا العدد من فرص العمل التي تصنف بأنها متوسطة إلى مرتفعة الأجور، لا يعتبر المواطن البحريني حتى الآن الخيار الأمثل للقطاع الخاص. وتستنزف العمالة الأجنبية بحسب أرقام حكومية نحو 750 مليون دينار على شكل دعم مباشر وغير مباشر، بل هي المستفيدة الرئيسية من الدعم الحكومي.
ولا شك أن أفضل الطرق نحو ضمان استدامة الاقتصاد هي معالجة هذا الخلل، وتطوير نوعية الوظائف والمهن ورفع مستواها. ولن يأتي ذلك إلا عن طريق تغيير نموذج النمو الاقتصادي الحالي، وذلك بالتحول إلى اقتصاد يحفزه القطاع الخاص المبادر وفقا لما ورد في الرؤية.
وبالرغم من أن برنامج الحكومة تطرق الى تنويع الاقتصاد من خلال تنمية قطاع السياحة والثقافة والعمل مع القطاع الخاص لانشاء مدينة المعارض وتنمية قطاع الخدمات المالية وقطاع الصناعات الأساسية وتنظيم قطاع النفط. لكن هذه القطاعات لا يمكنها أن تستوعب الأعداد الكبيرة من الخريجين وأن مساهمات بعضها مثل السياحة والثقافة متواضعة بينما قطاعات المال والصناعة والصناعات القائمة على الطاقة وصلت حد التشبع. وهي لا تحقق بمجملها التحول إلى نمط جديد للاقتصاد وفقا لما نادت به رؤية البحرين 2030 التي تطرقت إلى اهمية التحول نحو الاقتصاد المعرفي أو الاقتصاد الجديد لكن البرنامج خلا من ذكر هذا الموضوع.
إن المطلوب تحديدا تخفيف اعتماد الاقتصاد على النفط والصناعات الملحقة به كصناعات التكرير والبتروكيماويات والألمنيوم لأنه في حالة نضوب النفط سوف تضعف جميع هذه الصناعات. كما أن المطولب ابعاد الاقتصاد عن انقياده بقطاعات ساخنة تضع مجمل عملية التنمية على صفيح ساخن ونقصد بذلك قطاع التطوير العقاري الذي يخضع لمضاربات ودورات حادة. وهذا يتطلب تحديد واضح للأنشطة والقطاعات البديلة. كما أن التنمية المستدامة تعني أولا تكوين رأسمال بشري متعلم ومثقف ومتمكن أكاديميا وتقنيا ليأخذ دوره كاملا، كما يعني إيجاد قطاعات مستدامة تغذي نفسها تلقائيا ولا تعتاش على مورد خاضع للنضوب.

حسن العالي