**
نواصل قراءتنا في قانون العمل العماني ونخصص هذه المقالة لبيان صورة من صور الفصل التعسفي وهي الاستقالة التي يتقدم بها العامل مكرها عليها...
حيث إنه وإن كان من المقرر أن الاستقالة وإن كانت من جانب واحد فإنها تعد تصرفا قانونيا إراديا بحيث يكون هذا التصرف خاليا من جميع عيوب الإرادة ومنها الإكراه لكافة أشكاله...
ولعل الواقع العملي يدلل لنا أن الاستقالة وإن كان ظاهرها خالية من الإكراه يتقدم بها العامل بمحض إرادته إلا أنها في بعض الأحيان باطنها فصلا تعسفيا، يكون العامل عندها مكرها على تقديمها بسبب ما يمارسه صاحب العمل (المؤسسة) من التفنن في الأساليب المؤثرة على العامل سواء أكانت تلك الأساليب ذات تأثير معنوي أو مادي...
ونحاول في هذه المقالة أن نعرج على حالتين أكثرها شيوعا ـ وفق تقديرنا ـ من خلال ما نلامسه ونشاهده في أروقة المحاكم...
الحالة الأولى نقل العامل إلى عمل يقل عن عمله الأصلي المتفق عليه في العقد ويختلف عنه اختلافا جوهريا مما يقلل من مكانة العامل من الناحيتين الفنية والأدبية، فهذه صورة من الصور التي قد تمارسها أحد المؤسسات عندما ترغب في إنها عقد العامل بحيث لا تقع في دائرة المساءلة فتقدم إلى نقل العامل إلى عمل لا يتناسب ومكانة هذا العامل الأدبية على ضوء ما يتوافر لديه من مؤهلات علمية وخبرات عملية، عندها يضطر هذا العامل إلى تقديم استقالته وإنهاء خدماته طواعية...
فهنا نؤكد أن على أي عامل ـ وخاصة في الوضع الحالي ـ متى ما تم نقله إلى عمل لا يتناسب ووضعه المهني وقدراته وخبراته بحيث يختلف العمل الجديد اختلافا جوهريا وأدبيا- حتى وإن لم يتأثر ماديا- يجوز لهذا العامل الالتجاء إلى دائرة تسوية المنازعات العمالية بوزارة القوى العاملة وتقديم شكوى إليها بهذا الخصوص لإيجاد حل لهذا الموضوع وإلا فمن حقه طلب إحالة الشكوى إلى المحكمة المختصة.
لعل هذه الصورة تتحقق حاليا عندما تتعرض المنشأة لخسارة مادية في أحد السنوات أو يتم بيع المنشأة لصاحب عمل جديد، حيث يجد هذا الأخير من الأهمية التقليل من الأيدي العاملة.
فلا يجد حلا سوى ممارسة الضغوط على عدد من العمال فيجبرون على تقديم إستقالاتهم لعدم معرفتهم لحقوقهم، ومن هنا أكدت على ذلك الفقرة (2) من المادة (47) من قانون العمل العماني "...
وفيما عدا حالات التصفية والإفلاس والإغلاق النهائي المرخص به يبقى عقد العمل قائما ويكون الخلف مسؤولا بالتضامن مع أصحاب العمل السابقين عن تنفيذ جميع الإلتزامات المقررة قانونا مع مراعاة الأولوية المقررة لحقوق العمال."...
الحالة الثانية: حالة التأخر في دفع الرواتب وبصورة متكررة ومتعمدة.
مما يضطر عندها العامل إلى تقديم استقالته...
فالمشرع العماني اعتنى بالأجر عناية خاصة محدد أدائه بدلالة المادة (51) من قانون العمل العماني "تؤدي الأجور في أحد أيام العمل وفي مكانه مع مراعاة...
وفي جميع الأحوال يتعين أداء الأجر خلال (7) أيام من نهاية المدة التي يستحق عنها.
ويجوز بقرار من الوزير تحديد موعد صرف أجور العاملين بالمنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل الموعد المحدد لها بمناسبة الأعياد الوطنية والرسمية".ففي حالة تأخر صاحب العمل ـ وبصورة متكررة ـ في دفع راتب العامل ممارسا عليه إكراها بتقديم إستقالته...
ففي هذه الحالة لا يجب على العامل التخلص من هذه الدائرة (الاستفزازية ـ إن صح التعبير) بتقديم استقالته فيحقق رغبة وهدف صاحب العمل...
وإنما يجب عليه أن يواجه هذه الحالة إما بالتقدم لدائرة تسوية المنازعات العمالية لتجد له حلا مع صاحب هذه المؤسسة وإما ترك العمل حتى وإن كان العقد لا يزال قائما بإعتبار المشرع العماني ووفقا للمادة (41) أجاز للعامل ترك العمل قبل نهاية مدة العقد مع الإحتفاظ بكامل حقوقه والتعويض إن وجد في عدة حالات لعل أهمها إذا لم يقم صاحب العمل تجاه العامل بالتزاماته الجوهرية طبقا لأحكام هذا القانون وعقد العمل...
ولا نجد ـ من جانبنا ـ ما يعد أكثر وأشد إخلالا بشروط العقد من جانب صاحب العمل من تأخره في دفع رواتب عماله باعتبار الأجر ركن من أركان عقد العمل ومقوم من مقوماته وهو محل الإلتزام الرئيسي لصاحب العمل وهو في ذات الوقت سبب إلتزامات العامل...
قراءتنا القادمة في موضوع آخر ضمن أحكام قانون العمل العماني،،،

د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المساعد- كلية الزهراء للبنات محام ومستشار
قانوني عضو اتحاد المحامين العرب كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية والاتفاقيات الدولية
[email protected]