[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
أحاديث سياسية عادية أجريتها مع زملاء غربيين هذه الأيام ومنهم الأميركي العربي الأصل الأستاذ جيمس زغبي مدير مركز الحوار العربي الأميركي في واشنطن و كانت المحاور دائما تتصل بمصير العالم العربي قصير الأمد على إثر الهزات العنيفة التي عصفت ولاتزال تعصف بمجتمعات تخلصت من أنظمة الاستبداد بلا شك ولكنها تعاني من هشاشة الدولة وغياب مؤسساتها في ظل انتشار الفوضى واستشراء العنف وعجز النخب الحاكمة الجديدة عن الاستجابة لطموحات شباب توقع الحلول الفورية لمعضلات البطالة والتهميش وعن تحقيق تطلعات شعوب محرومة منذ عقود من الحرية والعدل وجني ثمار التنمية. كما أن حديثا تبثه بعض المواقع الاجتماعية بالصوت والصورة لمحاضرة ألقاها (ديفيد وينبريدج) رئيس المعهد الإسرائيلي بيجن السادات للسلام هذه الأيام حول ما يسمى الربيع العربي واستفادة الدولة العبرية منه لفت سمعي وبصري الى حقائق كدنا في زحمة المصائب ننساها حيث قال هذا الرجل كلاما على درجة كبيرة من الأهمية علينا أن نسمعه بأذان لاقطة ونقرأه بعيون مفتوحة وعقول مدركة لمخاطر اللحظة العربية التي نعيشها. فماذا قال (ديفيد وينبريدج)؟ أولا حلل حالة الدول العربية العدوة (طبعا لإسرائيل...) بموضوعية وارتياح وشعور بالزهو مؤكدا على أن إسرائيل ما بعد حرب 1967 و حرب 1973 كانت تواجه ثلاثة جيوش عربية قوية ومسلحة واحترافية مدربة ومهيكلة بشكل عصري ولديها عقيدة مواجهة إسرائيل وهي جيش العراق وجيش سوريا وجيش مصر ولا تشكل القوى العسكرية العربية المساندة لها مثل حماس وحزب الله ومقاتلي القاعدة بمختلف مسمياتها سوى ردائف متحمسة ومعبأة لكنها لا تقدر بمفردها أن تواجه (تساحال).
و شرع المنظر الإسرائيلي يحلل ما وقع لهذه المؤسسات العسكرية الثلاثة منذ التاسع من أبريل 2003 في ساحة الفردوس البغدادية إلى اليوم مارس 2014 فقال : أول خطأ عربي قاتل هو إحتلال صدام حسين للكويت مما أحدث الشرخ العربي الأخطر في التاريخ الحديث بكل زوابعه و توابعه المعروفة وهنا جاء الدور الأميركي ليدخل على الخط الإقليمي الشرق أوسطي بقوة ويقضي على الجيش العراقي بسهولة بتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة و بالضوء الأخضر من موسكو وبيجين وبتعاون طبيعي مع الجيوش العربية الأخرى وأولها الجيشان المصري والسوري! إستراحت إسرائيل بلا عناء من الخطر العراقي أي انتصرت إسرائيل بدون حرب!
و جاء الدور على الجيش السوري منذ 2011 حيث قامت في دمشق حركات مدنية سلمية لتحذو حذو تونس ومصر واليمن وليبيا في المطالبة باصلاحات سياسية ودستورية في جمهورية تحولت مع بشار إلى حكم وراثي لم ينجح في إنجاز إصلاحات حقيقية بسبب استفحال مصالح الحرس القديم الذي تشكل حول والده حافظ الأسد لكن النظام السوري رد على هذه الحركات بعنف غير منضبط وتورط الجيش وكذلك التنظيمات المقاتلة التي تواجهه في مجازر رهيبة وممارسات وحشية لكن المؤسسة العسكرية السورية أصبحت مشلولة إزاء عدوها التقليدي إسرائيل ولن تقوم قائمة للجيش السوري قبل عشرين عاما فاطمأنت إسرائيل أيضا على هذه الجبهة وسيظل الجولان في أيدينا (المتحدث هو دائما ديفيد وينبريدج ....الإسرائيلي) وستبقى سوريا بلا قوة رادعة لعقدين على الأقل.
وأخيرا التفتت واشنطن إلى الجيش المصري الذي كان الوحيد العربي محقق نصف انتصار أكتوبر 73 و كان الحامي الأول لمصالح العرب منذ حرب اليمن وحروب الخليج إلى اليوم. هذا الجيش العربي الوحيد الباقي لم تزلزله حرب أميركية مثل العراق ولم تنخره حرب أهلية مثل سوريا بل هو استرد الحكم الذي تسلمه منه تنظيم الإخوان المسلمين في لحظة غفلة تاريخية معقدة وتحول الجيش المصري إلى حامي مصر من المصريين الموالين لمحمد مرسي وليس من إسرائيل لأن المعاهدات بيننا وبين مصر عادت للتفعيل والإنجاز تحت ضغوط أميركية وروسية وأوروبية لدى دولها مصالح دائمة وليست لها صداقات دائمة. وهاهي الدولة العبرية تستعيد عافيتها وتنام بعد طول الأرق ويتاح لها أن تستكمل مشاريع التنمية والتوسع وبناء قوتها العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية في مأمن أمين من أي تهديدعربي محتمل!
هذه التحولات الكبرى والجذرية التي طرأت على خارطة الشرق الأوسط صبت جميعا في مصلحة إسرائيل وكذلك في مصلحة واشنطن ويذكرنا (ديفيد وينبريدج) بأن عقيدة الولايات المتحدة الأميركية من عهد ترومان وروزفلت (أيام إنشاء دولة إسرائيل بقرار التقسيم الأممي في نوفمبر 1947) إلى عهد باراك أوباما ترتكز على الترابط العضوي والتفاعل الجدلي بين أمن إسرائيل وضمان تفوقها وبين المصالح الأميركية العليا! ويحق لنا نحن المواطنين العرب أن نتساءل على الأقل كيف سنتخلص من هذه الحالة المهددة لمصيرنا لنتناصح في وضع أضعف الأيمان حول هندسة مصير أفضل لأجيالنا العربية القادمة التي لن تغفر لجيلنا الراهن هذا الغياب عن الوعي التاريخي وهذا الداء العضال من فقدان المناعة؟ إننا بإزاء تحديات عنيدة نواجه فيها عدوا تاريخيا واستراتيجيا على الأقل لا يريد لنا لا الأمن ولا السلام ولا حتى علاقات حسن الجوار ونواجه أيضا وبالضرورة أقوى قوة عسكرية وتكنولوجية واقتصادية وإعلامية ومالية هي قوة واشنطن المتحالفة مع محميتها الإسرائيلية التي والحق يقال نجحت فيما فشل فيه العرب منذ حرب 1948 أي بلوغ قلوب وعواطف الأميركان. إن (الربيع العربي) إذا استمر في فقدان البوصلة السياسية والحضارية سوف يكون نصرا لإسرائيل وخرابا لبيوتنا العربية فاعتبروا يا أولي الألباب. أو أننا لانزال غير عابئين بحكمة قالها الإمام علي كرم الله وجهه وهي: ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار.