” .. كانت الحكومة الانتقالية شرعت في ديسمبر الماضي في اصلاح الجيش والشرطة بعد فشل الانقلاب الذي قادته نخبة الحرس الجمهوري في سبتمبر. وبالتالي فإن هجوم القاعدة يؤكد على ضرورة تحويل الجيش إلى جهاز أمن مؤثر للدولة ككل. ولا يتوقع أن تركز الحكومة الجديدة على هذا الاصلاح فحسب بل هذا ما سيفعله المانحون...”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في نهاية 2015 استقبلت بوركينا فاسو رئيسها الجديد كريستيان كابوري حيث انتهت بذلك الفترة الانتقالية الى الديمقراطية التي بدأت في نوفمبر 2014 عندما أجبرت انتفاضة شعبية الرئيس بليز كومباوري على الاستقالة. ويعلق مواطنو بوركينا فاسو آمالا كبارا على الادارة الجديدة ولكن هذه الادارة تواجه تحديات محلية ودولية خطيرة.
أول هذه التحديات هو الأمن المطلوب بشدة بعد هجمات 15 يناير الإرهابية حيث هاجم تنظيم القاعدة فندقا ومقهى في العاصمة واجادوجو في هجوم غير مسبوق حيث لم تقع هجمات كهذه طول مدة حكم الرئيس المخلوع بليز كومباوري ، وأصبح النظام الجديد واقعا تحت ضغط الآن ليثبت أنه يستطيع أن يضمن الأمن والنظام.
وكانت الحكومة الانتقالية شرعت في ديسمبر الماضي في اصلاح الجيش والشرطة بعد فشل الانقلاب الذي قادته نخبة الحرس الجمهوري في سبتمبر. وبالتالي فإن هجوم القاعدة يؤكد على ضرورة تحويل الجيش إلى جهاز أمن مؤثر للدولة ككل. ولا يتوقع أن تركز الحكومة الجديدة على هذا الاصلاح فحسب بل هذا ما سيفعله المانحون مثل فرنسا والولايات المتحدة التي لها قوات خاصة لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل ببوركينا فاسو.
التحدي الثاني هو أن انتخابات نوفمبر 2015 لم تحدث تغييرا جوهريا في المشهد السياسي. فانتخاب كابوري يعود جزئيا إلى حقيقة أنه أصبح أشرس معارض لكومباوري بيد أن هذا ليس معناه القطيعة مع ممارسة لسلطة شبه سلطوية دامت 27 عاما تحت حكم كومباوري. فلقد عانت البيروقراطية من المحسوبية وانعدام المسؤولية ؛ بل إن السياسيين أنفسهم اليوم الذين لعبوا دورا في التغيير كانوا من أبرز رجال عهد كومباوري.
التحدي الثاث هو أن الادارة الجديدة مرهقة بمحاكمات لجرائم ارتكبت خلال عهد كومباوري. فالانقلاب العسكري الذي جاء بكومباوري الى السلطة اغتال كذلك الرئيس توماس سانكارا في 15 اكتوبر 1987 ، واغتيل الصحفي نوربرت زونجو في 13 ديسمبر 1998 على يد نظام كومباوري فيما تتوقع منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني من الادارة الجديدة مواصلة المحاكمات التي بدأت على يد الحكومة الانتقالية. المعضلة هي أن أنصار كومباوري ينظرون إلى أن هذه المحاكمات تعد انتقاما وهو ما يمكن ان يفاقم من التوترات الحاصلة فعلا في المجتمع البوركيني الهش. وعلى الادارة الجديدة أن تجد طريقة لتحقيق العدالة والمصالحة.
التحدي الرابع هو أن إدارة كابوري ورثت بلدا يعاني مستويات عالية من الفقر وقطاعا سكانيا شبابيا كبيرا. وقد فشل نظام الرئيس السابق كومباوري في توصيل السلع العامة الأساسية مما كان سببا رئيسيا للسخط بين الشباب خاصة ، حيث إن أكثر من 65% من السكان في بوركينا فاسو هم تحت سن 30. ويتعين على الحكومة الجديدة أن تجد سبلا لاخماد جذوة السخط وتوفير حوافز للشباب للمشاركة بهمة ويكونوا مؤيدين للسياسات الجديدة وتأسيس الديمقراطية في بوركينا فاسو.
التحدي الخامس هو أن على الادارة الجديدة إعادة بناء العلاقات مع الجيران لاسيما حلفاء الرئيس السابق في توجو وكوت ديفوار.
ومع ذلك ثمة أسباب ثلاثة للتفاؤل أولها أن كابوري يتمتع بشرعية سياسية في الداخل والخارج بعد فوزه في انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي ومن الجولة الأولى بنسبة تربو على 53% ، ومن ثم سوف يتمتع بدعم دولي في مهمته للتنمية ومحاربة الارهاب. اما السبب الثاني فهو ان كابوري برز بعد قرابة 25 عاما من حكم كومباوري رمزا للتصالح في المشهد السياسي البوركيني ، خاصة بعدما كان له دور حاسم في دفع نظام كومباوري لتقديم تنازلات للمعارضة ومجتمع الأعمال. وأما السبب الثالث فهو برنامج كابوري المسمى الصفقة الجديدة المكون من خمس محاور هي الاصلاح المؤسسي بما في ذلك سن دستور جديد والنموذج التنموي الجديد القائم على تعزيز رأس المال البشري ونشر المعلومات وتقنيات الاتصال وتعزيز ريادة الاعمال بالقطاع الخاص وتقليل نسبة العاطلين عن العمل وتقليل الفروق الاجتماعية الاقتصادية.
لسنا متأكدين من أن كابوري سيتمكن من تحقيق برنامجه السياسي ، ذلك أن نفس المواطنين الذين ازاحوا كومباوري عن السلطة سيظلون يضغطون على الادارة الجديدة كي تزيد فرص الوصول إلى الاحتياجات الأساسية وتحسين الحكم.

أرسين برايس بادو
مرشح للدكتوراة في العلوم السياسية بجامعة لافال وزميل سابق بالبرنامج الأفريقي بمركز وودرو ولسون الدولي للباحثين خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز – خاص بالوطن