تواجه الخصوصيات الوطنية اليوم الكثير من التحديات التي تضعها أمام واقع جديد عليهاأن تستوعب خلاله التحولات والتغيرات الحاصلة، بقراءتها في صورتها الإنسانية العالمية،وتنفيذها من خلال إطار عمل وطني، وتضمينها أدوات الابتكار والابداع والتجديد ومعايير الجودة والكفاءة في سبيل الوصول لمنتج ثقافي وطني راق يتسم بالاستدامة والإبقاء على مستويات عالية من الاجادة التي تتصف بها وتميزها عن غيرها، في ظلال مساحة التي تمنحها للتغيير الذاتي مع المحافظة على المبادئ والقيم والاخلاقيات، وعند الحديث عن الخصوصية الوطنية يبرز على السطح ما تشكّله العمالة الوافدة والتزايد الحاصل في نسبتها بالسلطنة من تحديات يجب أن تضع له المؤسسات أدوات واضحة وأطر مقننة، وما يرتبط بوجود هذه العمالة من ممارسات وأنشطة قد تتباين ومنظومة القيم الوطنية لتكون بدورها عامل قلقيؤثر على مفهوم الخصوصية الوطنية، فإن ما يرصده الواقع عبر شبكات التواصل الاجتماعي وما تطرحه القنوات التلفزيونية والاذاعية والصحف المحلية في برامجها وأعمدتها وصفحاتها حول العمالة الوافدة وتأثيرها على البُنية الثقافية والخصوصية المجتمعية؛ يؤكد الحاجة إلى قراءة جديدة تأخذ في الحسبان منحى الشمولية والاستدامة والتكامل والتقنين لمسألة اليد العاملة الوافدة ورصد تأثيرها على الخصوصية الوطنية، وتضع في الوقت نفسه أمام المؤسسات والأفراد مسؤولية البحث عن آليات عمل واضحة وبدائل مقننة مقنعة، تقلل من حجم هذا التأثير، فطريقة اللبس وتعاطي بعض المحظورات كالتبغ وغيرها أمام العامة وفي مختلف الأوقات، والأدوار التي يقومون بها في المنازل أو لدى الأسر، واستغلالها للموارد والامكانيات السياحية بشكل غير حضاري وتكدسها في أماكن محددة أثناء الإجازات والعطل الرسمية، وطريقة تعاملها مع بعض الخصوصيات وتدخلها في كثير من مفردات الحياة اليومية للمواطن، ومنافستها له في بعض الأنشطة الاقتصادية، وما يظهر من تعدّيها على بعض الخصوصيات، حتى أصبحت تشارك المواطن في جوانب خاصة بثقافته كحضور مُلفتٍ في الولائم الشخصية والمناسبات، أو تواجدها بشكل مزعج في المنتزهات بالمناطق السكنية، حتى أصبح الكثيرمنهم لا يعير هذه الخصوصية اهتماما إما عن قصد أو جهل منه بما عليه من واجبات، ومع التاكيد على ما اتخذته الجهات المختصة بالدولة من إجراءات في هذا الشأن إلا أنها بجاجة إلى مزيد من فاعلية المتابعة والتقييم الدوري لها ورصد مستمر للممارسات التي تقوم بها العاملة الوافده والبث فيها، وتعريف المجتمع بمستوى تأثيرها على منظومة قيمه واخلاقياته وعاداته وتقاليده وأنظمة عمله، وعلاقة ذلك بمستوى اهتمام أجيال الوطن بعادات مجتمعهم الأصيلة وقيمه الراقية. من هناتأتي قيمة وعي المواطن في رصد الممارسات الحاصلة من اليد العاملة الوافدة، وادراك طبيعة المسؤولية التي يجب أن يتحملهافي الحفاظ على ثقافته وخصوصيته الوطنية. وتعزيز نموها وبناء أُطرها بشكل يضعها أماممعرفة معمقة من اليد العاملة الوافدة بطبيعة مسؤوليتها والدور المطلوب منها في احترام ثقافة المجتمع والالتزام بمبادئه وقواعد العيش فيه. فإن طريقة التعبير السليمة التي يمارسها المواطن في التعامل مع قيم مجتمعه واقتناعه بأنه يحمل رسالة أخلاقيه واعية،يستدعي منه أن يُدرك طبيعة القوانين والأنظمة التي وضعتها مؤسسات الدولة في تنظيم عمله أومسؤوليته ، كونه كفيل لهذه العمالة ومسؤول عنها، فإن عليه تأصيل ثقافة الوعي لدى من يكفلهم في ظل اعترافه بأن ما تتخذه مؤسسات الدولة من ضوابط وشروط وقوانين؛ إنما يستهدف حماية حقوقه الشخصية ككفيل، وفي الوقت نفسه حماية حقوق من يكفلهم وتوفير مناخات آمنة لهم، وبالتالي تقديم النصح لهم وحسن توجيههم ورقابة ممارساتهم وتعويدهم على كريم الخصال وحميد الأخلاق، أثناء ممارستهم لعملهم، وهنا تأتي قيمة اعتزاز المواطن بهويته وقيمِه بطريقة متوازنة وأثرها في صناعة القدوات والتأثير الايجابي الذي ينعكس على سلوكيات الآخرين والتزامهم وسعي الجميع لصالح بناء منظومة قيمة واعية. وعليه فإن وجود موجهات وطنية تشكّل بمثابة إطار وطني يتسع لكل الفئات الوافدة من خارج السلطنة، بحيث يترجم بلغات مختلفه تتناول الأسس الأخلاقية والقيمية والآداب الذي ينبغي أن يلتزم بها المقيم والزائر في أرض السلطنة وتعريفه بحقوقه وواجباته والعقوبات النافذة والقوانين التي تنظم الهوية الوطنية وتفعيلها بشكل يومي في ممارسات هذه الفئات؛ يصبح أحد الأولويات التي يجب أن تتكاتف بشأنها جهود القائمين على إدارة شؤون اليد العاملة الوافدة من مؤسسات وشركات وأفراد وهيئات وأسر،على أن تكون لهذه التعليمات صفة الانتشار على مختلف السفارات والقنصليات العمانية في الخارج وسفارات الدول بالسلطنة وشركات السفر والسياحة وخطوط الطيران والفنادق، من خلال تفعيل نظم المتابعة الدورية من قبلشرطة عمان السلطانية وجهات الاختصاص الأخرى بالدولة، وما يرتبط بها من لجان الرقابة والتفتيش بالولايات. أو من خلال تبني إطار وطني للتوعية والتثقيف بالاقران واختيار من يمتلكون القدرة على التعامل مع هذه الفئات من جنسهم في ظل آلية محددة مقننة. إن المطلوب في ظل ما أشرنا إليهإعادة تناول هذه المسألة في ظل معطيات الخصوصية الوطنية والحد منها وتقنين تواجد هذه العمالة في الحارات القديمة وبين بيوت المواطنين أو طريقة سكناهم في المساكن قيد الانشاء وغيرها، بحيث توضع لهم حدود وضوابط تراعي الذوق الاجتماعي وتُعلي من الخصوصية الوطنية، وما يرتبط بذلك من تقنين مسألة الاختصاصات والادوار والمهام التي يقومون بها ومدى الحاجة إليهم ونوعية النشاط الاقتصادي المتاح لهم وحدوده وضوابطه، ووضع آليات عمل واضحة وأنظمة رصد وتقييم حازمة، على أن ينبغي أن ندرك بأنوعي المواطن وتحمل مسؤوليته في التقنين والرصد والالتزام بالاجراءات والقوانين والأنظمة وسعيه نحو تحقيق مصلحة وطنه؛ هي الكفيلة بتقليل خروج هذه العمالةعن المألوف من الممارسات ، فهل سندرك جميعا حجم هذه المسؤولية ونقف عليها بصدق ضمير؟

د. رجب بن علي العويسي
[email protected]