في ظل المناخ العام الذي يشهد تصعيدًا لافتًا في الإرهاب والعنف وحملات التكفير والاقتتال والافتتان الطائفي لم يعد هناك قطر عربي بمعزل عن الدخول في أتون هذا الواقع الذي فرضته تحولات ما يسمى "الربيع العربي"، واستشراء الموت المتنقل في كل من العراق وسوريا وانتقاله إلى الجوار السوري ونعني به لبنان حيث أراد المريدون بسوريا الشر والإرهاب أن يدخل معها لبنان في أفران العرقنة والصوملة وحروب التدمير، باعتبار العلاقة التاريخية والطبيعة الجغرافية والجوانب الاجتماعية التي تميز المجتمعين السوري واللبناني، ولكون أن كلًّا من سوريا ولبنان بمثابة الرئة التي يتنفس بها الآخر وخاصة لبنان بالدرجة الأكبر الذي لا يمكنه أن يستغني عن جاره التاريخي وشقيقه سوريا، فالهدف المراد من هاتين الدولتين واحد هو إخراس أي نفَس مقاوِم إلى الأبد، بل واستبداله بأنفاس وأصوات مصنفة صهيونيًّا وغربيًّا بـ"المعتدلة" وظيفتها ترديد ما يطلقه الصهيو ـ غربي، وتنفذ ما يطلبه.
ولذلك لم يكن حالة استثنائية وصول الموت المجاني إلى لبنان عبر العصابات الإرهابية وإزهاق أرواح الأبرياء اللبنانيين بالتوازي مع سفك دماء الأبرياء السوريين واستهداف المصالح والمنشآت الخدمية والاجتماعية وغيرها. فكما أن تدمير الدولة السورية وابتداء من جيشها العربي الباسل، كان ولا يزال هدفًا استراتيجيًّا للمتآمرين على سوريا، فإن ضرب المقاومة اللبنانية ونزع سلاحها هو هدف استراتيجي مرتبط بالهدف الاستراتيجي السوري.
واللافت للنظر أن هذا الموت المجاني المنقول إلى سوريا ولبنان يتعاون في نقله إرهابان، إرهاب مسيَّس تقوده قوى محسوبة على أحزاب وأنظمة سياسية، وإرهاب تمارسه جماعات وأحزاب دينية أو تنسب نفسها إلى الإسلام كـ"جند الله والجبهة الإسلامية وداعش والنصرة وغيرها"، وتنطلق في إرهابها من تنظيرات فكرية تكفيرية تشجع على الإرهاب والتدمير، حيث يلعب مطلقو تلك التنظيرات والفتاوى دور العقل المدبر لمن يمارسون الإرهاب الانتحاري.
والمؤسف أنه إزاء مشاهد الأشلاء والدمار لا تريد الأطراف المؤججة للإرهاب والعنف أن تبدل سياستها ونظرتها الفكرية المتطرفة وتأخذ العبرة والموعظة من تلك المشاهد، بل تريد أن تذهب بكل من سوريا ولبنان بعيدًا وتأخذهما إلى مستقبل مجهول.
وإذا كان مطلوبًا بل أمرًا واجبًا تفرضه الشرائع والقانون الدولي والمبادئ الإنسانية على القوى المتآمرة على سوريا للتوقف عن دعم الإرهاب ضد الشعب السوري، فإن في لبنان لا بد من توحيد الموقف في إدانة وتحريم هذه الظاهرة ومحاربتها، وتجريم من يقفون وراءها ويمارسونها، لأنها تستهدف الجميع دون استثناء، ولذلك فإن البيان الوزاري الذي توافق عليه اللبنانيون ورؤيته النور رغم المخاض العسير ربما يمثل مخرجًا حقيقيًّا للأزمة السياسية والفراغ السياسي الذي ظل لبنان يدور في فلكه، ويشكل نقطة ارتكاز لبقاء لبنان موحدًا أمام موجات الإرهاب العابرة، سواء من قبل العصابات الإرهابية التي تعيث فسادًا في سوريا أو من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتوقف يومًا عن إرهابه وعدوانيته ضد لبنان. مع أهمية التشديد على أن الضامن الأهم لسيادة لبنان هو المقاومة اللبنانية ومعها الجيش اللبناني، فسلاح المقاومة وجهوزيتها لا يزالان يمثلان عامل ردع للعدو الإسرائيلي ولولاهما لبقي الجنوب اللبناني أرضًا محتلة ولبقيت أنهار المياه اللبنانية كالوزاني والعاصي تصب في المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل". وخيرًا فعل البيان الوزاري حين استند على " مسؤولية الدولة في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه.." في تأكيد الحكومة على "أن واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من الغجر بشتى الوسائل المشروعة مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأرض المحتلة". فالمعروف أن السبب في احتفاظ المقاومة بسلاحها هو بقاء أراضٍ لبنانية مغتصبة وبقبضة الاحتلال الإسرائيلي. ولهذا فإن التفريط في المقاومة وسلاحها، يعني التفريط في لبنان، ولو كانت المفاوضات أو السياسة قادرة على جلب حق لجلبت فلسطين إلى أهلها.