مقدمة:
أكدت منظمة الصحة العالمية مؤخرا اكتشاف حالة إصابة جديدة بفيروس إيبولا في سيراليون. جاء الاعلان عن الاصابة الجديدة بعد يوم واحد من إعلان المنظمة الدولية انتهاء أكبر وباء لفيروس إيبولا في التاريخ ظل متفشيا في غرب أفريقيا على مدار عامين . هل عاد الأيبولا من جديد ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حذر خبراء منظمة الصحة العالمية في جنيف أن مخاطر تفشي الحمى النزفية )الأيبولا) مرة أخرى مازالت قائمة، حيث أن الفيروس يمكن أن يكمن في السائل المنوي للرجال الناجين من المرض لمدة 12 شهرا بعد شفائهم. وكانت المنظمة قد أعلنت خلو سيراليون من عدوى إيبولا يوم 7 نوفمبر وخلو غينيا من المرض يوم 29 ديسمبر الماضي. ظهرت أولى حالات الإيبولا عام 1976 في منطقتين بأفريقيا في وقت واحد الأولى في نزارا بالسودان، والثانية في يامبوكو بجمهورية الكونغو الديمقراطية. أخذ مرض الإيبولا اسمه من مكان التفشي الذي حدث في يامبوكو، إذ ظهر في قرية تقع على مسافة قريبة من نهر إيبولا، فأطلق اسم النهر عليه. وفقا لمنظمة الصحة العالمية هناك خمسة أنواع من فيروس الإيبولا، وهي: بونديبوغيو و السودان وزائير وساحل العاج و ريستون . وتشير آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 11300 شخص لقوا حتفهم منذ انتشار الفيروس في ديسمبر عام 2013، فيما بلغ عدد من أصيبوا بالمرض 28500 شخص.
يبدو أن وباء الأيبولا قد رحل بعد أن خلف ورائه الألاف من الوفيات في عدد من بلدان غرب أفريقيا .وهدأت في الوقت نفسه ردود الفعل المحمومة، وتلاشت معها المخاوف من حدوث وباء على نطاق عالمي . الا أن استمرار ظهور بعض الحالات يتطلب المزيد من اليقظة المستمرة، و يستوجب استخلاص الدروس و العبر استعدادا لأيبولا عائد أو مرض أخر قد يتفشى في المستقبل . لقد كشف الوباء خللا كبيرا في ثلاثة دول في غرب افريقيا هي غينيا وليبيريا وسيراليون و كشف أيضا عن عجز واضح في السياسات الدولية التي كانت تهدف الى مساعدة تلك الدول . لقد تبين جليا أن النظام الصحي في تلك الدول ضعيفا جدا ، اضافة الى عدم كفاية الموارد لديها ، ناهيك عن حجم السكان الذين يتنقلون بين تلك الدول الثلاث دون سيطرة على الحدود بينها علاوة على قلة الخبرة في التعامل مع فيروس إيبولا. ووجهت انتقادات واسعة لمنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة ، و كذلك للعوامل السياسية التي تسببت في ابطاء الاستجابة على المستويين المحلي والدولي للوباء ، مما سمح بتفاقم الوضع و خروجه عن السيطرة .
///قبل تفشي الوباء:
عانت غينيا وليبيريا وسيراليون حينها الكثير من المشاكل على الصعيد الداخلي ، فليبيريا وسيراليون خرجتا من حروب أهلية طويلة ومن العديد من المشاريع الدولية الهادفة الى المساعدة في أعادة بناء الدولتين. قبيل تفشي وباء الأيبولا، كانت هناك فجوة كبيرة بين مشاريع تشجيع الاستقرار الاجتماعي والسياسي، والنمو الاقتصادي الثابت، و بين وجود البنى التحتية الأساسية الكافية ناهيك عن أنعدام النظم الصحية الفعالة. عانت الدول الثلاث من لعنة الموارد –حيث أحتكرت شريحة صغيرة من المجتمع و الأجانب استخراج الموارد الطبيعية الغنية بدلا من أستخدام تلك الموارد لصالح الأغلبية. ساهم هذا الوضع في توسيع هوة عدم الثقة بالاجهزة الحكومية التي فشلت في توفير الخدمات الأساسية، خاصة الخدمات الصحية . أن الأهتمام بمشاريع أعادة الأعمار، لا سيما في ليبيريا وسيراليون، جنبا إلى جنب مع التركيز العالمي على بعض الأمراض، خاصة الإيدز والسل والملاريا، ساهما في تقييد أداء القطاع الصحي و نقص موازنات وزارات الصحة مما جعلها غير مهيأة تماما للتعامل مع الحالات الطارئة. و لم تسعى منظمات الإغاثة، التي كانت تملك قدر أكبر من الموارد مما تمتلكه وزارات الصحة في تلك البلدان، الى سد الثغرات الناجمة عن عجز مؤسسات الصحة الوطنية. وعلينا ان لا نغفل الفساد في المؤسسات الصحية المحلية، والذي ادى الى قيام الجهات المانحة بتفضيل المنظمات الدولية بدلا من دعم اجهزة الصحة المحلية. كما أن غياب التبرعات و الهبات الدولية الواسعة والثابتة ساهمت في خلق قطاع صحي هش في تلك البلدان الثلاثة.
ففي ليبيريا التي عانت من حرب أهلية أستمرت اربعة عشر سنة وأنتهت في عام 2003 مع رحيل تشارلز تايلور، أستمرت معاناة ذلك البلد من الأنقسامات وأنعدام الشفافية على صعيد الوضع السياسي. فقد تاخرت المصالحة، و خيمت الشكوك على الجو السياسي العام، وعانت رئيسة البلاد آلين جونسون سيرليف ( التي تسلمت المنصب في 2006) من أتهامات لها بعدم الجدية في التعامل مع ملف المصالحة و دورها (المشبوه ) كما أدعى بعض الساسة في الحرب الأهلية. أن التوصيات المثيرة للجدل التي تقدمت بها لجنة الحقيقة والمصالحة الليبيرية في عام 2009 لم تنفذ، من بينها نبذ التطهير ومحاباة المسئولين السابقين و الحاليين ، من ضمنهم الرئيسة آلين و عضو في المحكمة العليا والعديد من اعضاء البرلمان. أدانت النخب السياسية وبعض الموقعين على اتفاق أكرا للسلام الشامل الذي وضع حدا للقتال تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة الليبيرية النهائي وتوصياتها. وهدد البعض بأستئناف القتال إذا لم تجر محاسبة المسؤولين مما أدى الى التخلي عن التقرير وتوصياته، وقاد ذلك الى طريق مسدود أمام قضايا العدالة والمساءلة. وبعثت الحياة من جديد بالمصالحة لفترة وجيزة في عام 2012، عندما نشرت الحكومة "خارطة الطريق الاستراتيجية لأعادة السلام و المصالحة الوطنية"، ولكن تلك الوثيقة تركز على العدالة دون محاسبة المسئولين. على الصعيد الأمني، واصلت بعثة الأمم المتحدة في ليبيريا خطط الانسحاب وتسليم مسؤوليات إضافية للحكومة في عام 2014. سادت مخاوف من انسحاب سابق لأوانه لبعثة الأمم المتحدة في ليبيريا، لأنه سيتسبب في حدوث فراغ خطير. وارتفعت حدة التوتر عندما خططت لجنة الانتخابات الوطنية لإجراء الانتخابات (مجلس الشيوخ) لأول مرة مع وجود دعم اممي محدود ، خاصة من قبل بعثة الأمم المتحدة الخاصة بليبيريا. على الرغم من أن الاقتصاد الليبيري كان ينمو بنسبة 6 في المائة سنويا ، الا أن الموارد المالية ظلت محدودة للغاية، وكانت معدلات الباحثين عن عمل مرتفعة، وشكل الفساد مصدر قلق كبير. عانى القطاع الصحي في ليبيريا ما عانته بقية القطاعات . و بعد انتقال ليبيريا من حالة الطوارئ الى مرحلة التطوير، بدأت الجمعيات الخيرية الطبية التي قدمت الدعم المباشر في الخروج تدريجيا من البلاد و حولت معظم نشاطاها الى الشكل غير المباشر من خلال مبالغ تحول الى الميزانية الوطنية. شكلت حصة القطاع الصحي، بضمنها المساعدات ، 65% من تلك المبالغ ، و تطورت تلك الحصة بشكل كبير بين عامي 2012 و 2014، من 38 مليون دولار أميركي الى 60 مليون أميركي . و كشرط حاسم لعملية الانتقال كان على الحكومة أن توظف الممرضات والأطباء الذين عملوا سابقا مع المنظمات الدولية غير الحكومية والجمعيات الخيرية الطبية، و بمرتبات و حوافز كبيرة ، الا أن الحكومة تعاقدت مع 3500 من مجموع 8500 العاملين في مجال الرعاية الصحية. ورغم أن الفساد المنظم ونهب أموال الرعاية الصحية يمثل مشكلة كبيرة، الا ان الحكومة لم تفعل الكثير في هذا الشأن . أفتقرت المستشفيات الكبرى إلى المعدات؛ وغابت الحوافز المشجعة للأطباء لأداء عملهم بشكل جيد. وكانت الكهرباء في كثير من الأحيان غير متوفرة في بعض المناطق .
أما سيراليون فقد كانت تعاني قبل تفشي الايبولا ، من آثار الحرب الأهلية المدمرة (1991-2002) ، تلاها عقد من عدم الاستقرار السياسي والركود الاقتصادي. نجحت الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والمؤسسية في خلق نوع من الاستقرار والانتعاش ، حيث أدى توسع عدد البنوك وشركات التعدين في تجديد الثقة بالاقتصاد، مع توقعات النمو لل2015-2018 حوالي 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. الا ان كل ذلك تعطل بسبب غياب الثقة بين الحكومة و المعارضة و تصاعد التوتر السياسي منذ فوز الرئيس إرنست باي كوروما و هو من شمال البلاد في 2007، حيث وجهت له اتهامات باقصاء المسئولين الجنوبيين . جاء في تقرير للبنك الدولي أن الشكاوي تزايدت في المناطق الجنوبية والشرقية على مدى السنوات الخمس الماضية على وجه الخصوص. ادعى زعيم المعارضة، العميد متقاعد جوليوس مادا بيو، أن الحزب الحاكم قد تلاعب بنتائج أنتخابات عام 2012. على سبيل المثال في الفترة التي سبقت التصويت ، أعتقلت السلطات فودي رادو يوكي عضو البرلمان عن حزب الشعب مع بعض مؤيديه احتجاجا على هجوم تعرض له موكب للمعارضة على يد شباب الحزب الحاكم. كما منحت المحكمة العليا مقعدين للحزب الحاكم في منطقتي كايلاهون وكينيما (شرق)، حيث حصلت المعارضة على 80 في المائة على الأقل من الأصوات. زار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فريتاون في مارس 2014 ليغلق رسميا مكتب الأمم المتحدة لأعادة السلام في سيراليون في أعلان رمزي لدخول البلاد من جديد في مرحلة السلام و التنمية. الا أن سياسات الإصلاح المؤسسية، لم تستطع أخفاء العديد من علامات التدهور في بعض من مؤسسات السلطة. وبينما ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 3.2 في المائة في عام 2009 إلى 5.5 في المائة في عام 2013، كان الفساد ينمو أيضا و بوتيرة متصاعدة . لم تهتم الحكومة في متابعة الإنفاق في قطاع الخدمات منذ عام 2011، بالرغم من وجود تقارير عن سوء أستخدام تلك الأموال ، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم. علاوة على سوء الخدمات الصحية، حيث كان هناك نقص حاد في الأطباء و الممرضين ( على سبيل المثال كان هناك 0.22 للأطباء 1.6 للممرضات و0.22 للقابلات لكل 10،000 شخص، أي حوالي خمس الأرقام التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية لتقديم رعاية صحية جيدة. ناهيك عن الأفتقار للمرافق الصحية وعدم توزيعها بشكل متكافئ، مما دفع الوزارة إلى بناء مرافق جديدة لكنها لم تكن مجهزة بشكل جيد.
تعتبر غينيا الأكثر ضعفا بين البلدان الثلاثة. فهي واحدة من الدول الأفريقية المعدودة التي يقل نمو ناتجها المحلي الإجمالي السنوي عن 3 في المائة، وهي الدولة الاقل انفاقا في المنطقة على الرعاية الصحية. لم تعاني غينيا من ويلات الحروب الاهلية الا انها لم تتلقى دعما دوليا كما حدث مع سيراليون وليبيريا، على الرغم من أن منطقة غابات غينيا كانت مهمة في الصراعات التي دارت في سيراليون وليبيريا، لانها كانت منطقة تجنيد و ملجأ للاجئين. مع بداية تفشي الايبولا كانت غينيا في خضم مأزق سياسي و ذلك لأن انتخابات عام 2010، والتي أوصلت الرئيس ألفا كوندي إلى السلطة، رافقها الكثير من النفس العرقي السياسي و العنف وعدم الثقة في المؤسسات الانتخابية. على سبيل المثال ، خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، سرت اشاعة مفادها ان مياه مسممة وزعت في مسيرة مؤيدة لكوندي. ووجهت التهمة الى قبيلة الفولاني، المرتبطة مع منافس كوندي الرئيسي، سيلو دالين ديالو . أدى ذلك الى أندلاع أعمال عنف عرقية في أنحاء مختلفة من غينيا . تقول بياتريس كامارا السكرتير العام لحزب الأتحاد من أجل التقدم و التجديد ليس لدينا في غينيا حزبان سياسيان رئيسيان أنما عرقان رئيسيان أثنان وهما المالينكي المؤيد لكوندي و حزبه مسيرة الشعب الغيني و الفولاني المؤيد لديلاو وحزبه أتحاد القوى الديمقراطية في غينيا . و تأخرت المصالحة بين الحكومة و المعارضة نظرا لتاخر وعدم جدوى الحوار حول المؤسسات الانتخابية بين الحكومة والمعارضة. قال أبو بكر سيلا المتحدث باسم المعارضة " تصرف الرئيس كوندي بطريقة هدفت الى تهميش شريحة معينة من السكان وزيادة الانقسامات بين الغينيين ". و تسببت الانتخابات التشريعية في 2013 في المزيد من الاحتجاجات والعنف والقمع في كوناكري بسبب أدعاءات بتزوير الأنتخابات . يبدو ضعف الحكومة واضحا بشكل خاص في قطاع الرعاية الصحية. تحدثت استراتيجية الحد من الفقر الصادرة في 2002 عن تحقيق نظام رعاية صحية جيد بحلول عام 2010 . الا أن الواقع يقدم صورة مغايرة تماما ، حيث يدفع الغينيون 65 % من أقيام علاجهم .أن افتقار المراكز الصحية الريفية الى المعدات و الدعم و الكادر الصحي المؤهل جعلت أجزاء عديدة من غينيا غير مستعدة تماما للتعامل مع الأيبولا.
///كيف تفاقمت الأزمة؟:
سجلت الحالة الاولى لوباء الأيبولا في ديسمبر 2013 في غينيا، الا أن الفيروس لم يشخص على انه سلالة فيروس إيبولا زائير حتى 22 مارس 2014. أن المعلومات المضللة و غير الدقيقة و أحيانا المسيسة من جميع الأطراف المحلية و الدولية كانت سببا مهما في تفاقم الوباء .حيث ركزت المعلومات الأولية على مخاطر تناول لحوم بعض حيوانات الأدغال، وبشكل خاص، الخفافيش ، بأعتبارها مصدر للعدوى ، الا أن هذه المعلومات أصبحت مع مضي الوقت مضللة ، حيث أن أنتقال المرض بين البشر هو ما ميز ذلك الوباء و جعل السيطرة عليه صعبا جدا . صدرت تحذيرات للمواطنيين من أن الفيروس مميت و يجب أخبار السلطات الصحية عن جميع الأصابات . الا أن التحذيرات حققت عكس المراد منها و جعلت تحديد الأصابات و تعقبها أمرا صعبا جدا . أذ فضلت الأسر رعاية مرضاها بدلا من أرسالها الى المراكز الصحية لتموت منفية هناك . أن التضليل و عدم دقة البيانات ، خاصة أعداد الوفيات ، كانت غالبة في الأيام الأولى لتفشي المرض . حتى عندما أعلنت وزارة الصحة في غينيا تفشي المرض في 22 مارس ، و عندما أعتبر وزراء المجموعة الأقتصادية لدول غرب أفريقيا المرض "تهديدا خطيرا لأمن المنطقة" بعد ذلك بفترة قصيرة ، لم يجر التركيز على التأثيرات المحتملة للمرض ، أنما حاولت العديد من الأطراف التقليل من تلك التأثيرات المحتمل. أن الحدود المفتوحة بين الدول الثلاثة و كثافة السكان العالية في تلك المناطق ، علاوة على أن مرض الأيبولا لم يكن معروفا في المنطقة، و تشابه أعراضه مع أمراض أخرى ، كلها عوامل ساهمت بشكل كبير في أنتشار المرض . أن الأعتقاد الذي ساد لعدة أشهر بأن المرض في تراجع في غينيا وليبيريا ، رغم سعة الرقعة الجغرافية لأنتشار المرض ، وسريان أخبار تفيد بعدم وجود اصابات مؤكدة في سيراليون هي علامات فشل كبير في التعاطي مع المرض . وعندما تأكدت الحالة الأولى في نهاية مايو 2014 كان الوضع خارج السيطرة . ظهرت العديد من التأويلات لتفسير تأخر الاستجابة للموجة الأولى من الايبولا وسبب فشل تحديد بدايات الموجة الثانية ، ومنها رسائل التوعية الصحية التي أدت إلى الأخفاء المتعمد للأصابات و أن مراكز علاج فيروس إيبولا كانت السبب في انتشار المرض و الثقة المفرطة في احتواء التهديد، و قلة المعلومات و التنسيق بين الدول الثلاثة . ومع أعلان سيراليون عن عدد الأصابات فيها ، ارتفع العدد بشكل مخيف في المنطقة . اعترف مسؤولون في هذا البلد أن التحذيرات لم تكن كافية ، و "كان يمكن التخفيف من الأضرار الناجمة عن هذا المرض لو توفرت المعلومات بشكل مبكر ". وتقول تحليلات أخرى أن المعلومات خلال هذه الفترة المهمة قد أخفيت و أن المسئولين قللوا من تأثيرات الأصابات من خلال الأبلاع فقط عن الحالات المثبته مختبريا و لم يتحدثوا عن قلة الموارد المخصصة لمواجهة المرض في المراحل الأولى . و لم تكن حكومة سيراليون الوحيدة في عدم شفافيتها حول الأيبولا . في غينيا، لم يرغب المسئولون في أثارة روع شركات الطيران و شركات التعدين ، و يقال أن المسئولين لم يقدموا التشجيع اللازم للمنظمات غير الحكومية والمنظمات الأخرى التي تسعى لاحتواء الوباء. و صف هؤلاء المسئولون تلك المنظمات بالأنتهازية و أتهموها بالمبالغة في الحديث عن خطر فيروس إيبولا من اجل جمع أموال التبرعات . و في ليبيريا، التي كانت أكثر شفافية نسبيا في الاعتراف بحجم الكارثة ، اتهم المواطنون الحكومة بالمبالغة للحصول على مزيد من المساعدات . و لم يكن المسئولون حدهم المضللين خلال النصف الأول من عام 2014 . فمنظمة الصحة العالمية قللت من أهمية التحذيرات من أن الوباء قد خرج عن السيطرة . حتى 19 مايو من ذلك العام ، لم يأت ذكر مرض الأيبولا الا نادرا في الأجتماع السنوي للمنظمة . و حتى منتصف ذلك العام، كانت المعلومات المتبادلة حول المرض محدودة جدا و أن الأولويات المحلية والدولية تركز على عدم نشر الذعر بين السكان والمستثمرين.
ذكرت منظمة الصحة العالمية في وثائق داخلية لها صدرت بدء من مطلع يونيو أن دق ناقوس الخطر حول فيروس إيبولا سيزيد الضغوظ السياسية في البلدان المتضررة وسيحشد العمل و المساعدات الخارجية ، ولكن قيادة المنظمة كانت مهتمة بالعلاقات العامة وأعتقدت ان ن الإعلان عن حالة طواريء صحية عامة يمكن ان يفسر على انه "عملا عدائيا"، نظرا لتحفظ الحكومات الإقليمية والأثار الاقتصادية المحتملة .
تزايد الاهتمام بإيبولا بعد عودة بعض الاميركيين و الاوربيين المصابين بالايبولا الى بلدانهم في شهر أغسطس. أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطواريء على مستوى العالم في يوم 8 أغسطس، الا انها لم تقدم خارطة طريق لمواجهة الوباء حتى نهاية الشهر . و بعد أشهر من تحجيم اخطار الوباء ، لم تعدتلك الأخطار المحتملة للوباء تقتصر على المنطقة ، و توالت التحركات العسكرية من قبل بعض الدول ، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ، إلى جانب إنشاء بعثة الامم المتحدة لمواجهة وباء الايبولا في الأشهر المقبلة.
أن استخدام الأجهزة الأمنية في احتواء الأوبئة سببا أخر في تفاقم الأزمة . أن أستخدام تلك الأجهزة ليس بالأمر الجديد ، سواء لغايات الدعم اللوجستي أوالحفاظ على النظام. ربما أقرب الأمثلة هو ما قامت به الصين في 2003 ضد وباء السارز (المتلازمة التنفسية الحادة) . بسبب الخوف من الأنفلات الأمني ، فأن فرض تدابير صحية مشددة مثل الحجر الصحي الشامل يمكن أن تكون قاسية الا ان نتائجها موضع نقاش. أن القيود الواسعة على حركة السكان للسيطرة على وباء إيبولا يمكن أن يكون مفيدا عندما يحترم الجميع إجراءات الحجر الصحي. الا أن ذلك لم يحدث في المناطق المنكوبة .أن فرض الحجر الصحي المحلي لمواجهة فيروس إيبولا قد لا يكون عمليا، نظرا للحاجة إلى تجنب إثارة الذعر وتقليص الخدمات و النشاطات التجارية . ومن الناحية العملية، يصبح الحجر الصحي غير فعال تقريبا في المناطق المأهولة بالسكان و بحدود يصعب السيطرة عليها . أن تقييد الحركة تعني أيضا صعوبة الحصول على الخدمات الصحية والغذاء والماء. و بدلا من تسهيل التعرف على الحالات المشتبه فيها، فأن الحجر الصحي سيكون مدعاة للتهرب و عدم الثقة برجال الصحة ، لأن الحجر الصحي، كما عبر عن ذلك أحد العاملين في القطاع الصحي "يجعل الناس خائفين، يجعل الناس يهربون ويخلق ظروف صعبة جدا ". أعلنت ليبيريا الطواريء لمدة 90 يوما في 6 أغسطس، بعد وقوع حوادث أمنية عديدة في يوليو ، بسبب موقع مراكز العلاج، و سوء المعاملة الطبية و أساليب الدفن غير المناسبة . فرضت القوات المسلحة والشرطة الوطنية حظر التجول في أجزاء من مونروفيا. كان الحادث الأكثر أنتشارا وقوع إطلاق النار في 20 أغسطس على المتظاهرين العزل احتجاجا على الحجر في ويست بوينت، حي الأحياء الفقيرة المزدحمة في العاصمة. وأظهرت التدابير "نتائج عكسية"، وخلص خبراء الأمم المتحدة، أن الجنود "من دون تدريب خاص لكيفية التعامل مع المدنيين يصبحون أدوات غير ملائمة لمثل هذه الحالات". أن إجراءات مثل فرض الحجر الصحي بالقوة والتحرش والابتزاز قد تخلق الأنطباع بأن "القوات المسلحة الحالية لا تختلف عن القوات المسلحة في الماضي و المتهمة بأرتكاب العديد من الأعمال المروعة . وقد اعترفت الرئيسة جونسون سيرليف أن استخدام جنود الجيش والشرطة لعزل أحياء بأكملها "خلق مزيد من التوتر في المجتمع". والواقع أن ذلك الاجراء جعل الناس اقل تعاونا في السيطرة على الوباء . و لم تنجح الحكومة في كسب تأييد الشعب حول الحجر الصحي الا بعد أحداث العنف في منطقة ويست بوينت. وبالتالي تعلمت ليبيريا من أخطاءها و أظهرت الكثير من الشفافية بالاعتراف بحجم الكارثة وطلب الحصول على المساعدة الدولية. بعد سبتمبر، كانت التعبئة المحلية فعالة في احتواء الفيروس.
و بدء من نوفمبر 2014، أستخدمت سيراليون الحجر الصحي بشكل منتظم ، بالتوافق مع الأجراءات التي حددها المركز الوطني للأستجابة لوباء أيبولا . شملت نقاط الضعف التي حددتها منظمة أوكسفام في وقت مبكر عدم تطبيق أجراءات التي حددها المركز بشكل سليم و تجهيز الأفراد الموجودين في المحاجر الصحية بما يكفي من الغذاء والمياه وغيرها من الأساسيات. وعدم تعاون المجتمع في "اقتفاء أثر المخالطين، و مراجعة مراكز الرعاية و دفن الموتى . ومع ذلك استمرت الحكومة في فرض القيود على الحركة ، بما في ذلك منع التجوال في نهاية مارس 2015، و قيام المتطوعين بالبحث عن حالات جديدة محتملة في البيوت . أن أنتشار الوباء شجع القيام بالمزيد من الحجر الصحي ، احيانا بالقوة من خلال القوات المسلحة و أصدار العقوبات بحق المخالفين . الا أن الجيش كان بالاحترام في سيراليون( مقارنة بليبيريا) مما منع وقوع حوادث كالتي وقعت في مونروفيا. و لم يختلف الأمر في غينيا ، الا أنها اعتمدت النهج ذاته لكن في وقت متأخر بكثير. أعلنت غينيا حالة طواريء لمدة 45 يوما في مارس 2015 ، بعد حدوث المزيد من الأصابات ، جنبا إلى جنب مع تقارير تحدثت عن أشخاص فارين من سيراليون. طبقت حالة الطواريء على خمس محافظات في الغرب والجنوب الغربي، و تضمنت إعلان الحجر الصحي على المرافق الصحية التي ظهرت فيها حالات جديدة ، مع أمكانية تطبيق منع التجول . أستخدمت الدول الثلاث قوات الأمن و الجيش في التصدي للوباء، لان رجال الجيش والشرطة لديهم هم اكثر من رجال الصحة . لم تقتصر ردود الأفعال المبالغ بها على غرب أفريقيا، ولكن ردود الفعل الدولية تأرجحت طوال فترة الأزمة بين استجابة أمنية بسبب الخوف و تصوير الوباء على أنه ذو تاثير محدود على العالم المتقدم.
و تسبب عدم احترام الثقافات المحلية في زيادة تفاقم المرض . على سبيل المثال دفن ضحايا فيروس إيبولا، تسبب في المزيد من المقاومة و عدم التعاون ، مما يؤدي إلى مزيد من العدوى. أن الجهل بالعادات المحلية يجعل العوائل ترفض أرسال مرضاها للعلاج والتخلص الآمن من الجثث. تعتبر مقاطعة وفا الليبيرية نموذجا للتعاون المحلي و الدولي ، بما في ذلك مشاورات مطولة مع منظمات المساعدات التي امضت فترة طويلة في المنطقة .حيث غّير السكان المعايير والممارسات الثقافية خلال فترة ارتفاع عدد الإصابات (يونيو 2014)، ولم يعد الناس ينظرون الى المراكز الطبية كمكان للموت فقط . ان الزيادة الكبيرة في عدد الاصابات في العاصمة مونروفيا في أغسطس تسببت في صدمة سهلت تغيير السلوك في جميع أنحاء البلاد. ويبدو أن البنى الاجتماعية المحلية كانت اكثر احتراما من مثيلاتها الوطنية خلال الأزمة وأنها حققت نتائج أفضل بموارد محدودة من الحكومات المركزية. وجدت دراسة أن العديد من المشاركين تلقوا رسائل وقاية فعالة من السلطات المحلية وان اللوائح المحلية للوقاية والسيطرة على المرض بشكل عام كانت تتبع و تحترم في معظم المناطق الريفية. ربما كانتغينيا الأكثر إشكالية ، حيث كانت التوعية قليلة و مشاركة المجتمعات المحلية محدودة جدا . و زادت السياسة الطين بلة ، خاصة في ظل أجواء عدم الثقة . أن التأكيد على أن بعض العرقيات هي المعرضة للأصابة بالمرض قد غذى نظريات المؤامرة بأن الإيبولا " أداة أو نوع من أنواع التلاعب السياسي". وكانت مثل هذه الشكوك واضحة إلى درجة في جميع الدول الثلاث (أكثر في غينيا وسيراليون) وعقبة كبرى في وقف انتشار نهائيا الإيبولا.
و أستغل البعض الوباء لتحقيق بعض المصالح الشخصية و السياسية .ففي غينيا ، على سبيل المثال ، لم تعد السلطات تتحدث عن أنتهازية المنظمات غير الحكومية الدولية في جمع الأموال ، ولكن ظهرت هناك بعض المنظمات غير الحكومية المحلية ( الفاسدة ) التي استغلت أنشطة التوعية، خاصة وأن العديد من المنظمات الوهمية قد سجلت لدى وكالة التنسيق الوطنية الايبولا. ما زال من المبكر الحديث عن سوء أستخدام الأموال التي حصلت خلال أزمة الأيبولا ، كما هو الحال مع العديد من الأزمات الأنسانية . ومع ذلك، ظهرت تفاصيل مثيرة للقلق. في فبراير 2015 نشر تقرير التدقيق على إدارة الأموال الايبولا بين مايو وأكتوبر عام 2014، وكانت سيراليون في قمة الدول التي (أساءت ) استخدام أموال الأيبولا . تحدث البعض عن 14 مليون دولار لا يعرف احد مصيرها و أثيرت العديد من علامات الأستفهام حول دور بعض كبار المسؤولين الذين أداروا ملف الأيبولا ، علاوة على قادة المجتمع المدني والمقاولين . ردا على ذلك، وعدت الحكومة بإجراء تحقيق كامل وأن اساءة استخدام اموال إيبولا ستواجه بأجراءات قانونية شديدة . استخدم السياسيون الأزمة لتحقيق عدد من الاهداف التي لا علاقة لها بالمرض . أستفادت جماعات المعارضة من تدني الثقة بالنظام الصحي، وزيادة الصلاحيات في أنتقاد الحكومة. حاول المسؤولون في المركز و في الأقاليم استغلال الأزمة بطرقهم الخاصة .
في ليبيريا، حيث كانت حالة الطوارئ في أشدها في صيف عام 2014، كان هناك قلق حقيقي لانهيار القانون والنظام. أثارت الأستعانة الأولى بالأجهزة الأمنية، مثل الحجر الصحي في ويست بوينت "، ردود فعل غاضبة بين السكان بسبب انعدام الثقة الشديد بالحكومة". أستغلت المعارضة الوضع للمطالبة من جديد باستقالة الرئيس. قال الأمير يورمى جونسون السياسي الليبيري "أن الحكومة لم تقدم حجة مقنعة لحظر التجول وفشلت في التصرف بشكل حاسم لاحتواء انتشار فيروس ايبولا". على الرغم من أن صورة الرئيسة كانت جيدة في الخارج ، الا أن الاستياء المحلي حول تلاعبها بالازمة قد ازداد بشكل كبير . تسبب حظر للتجمع في ديسمبر 2014 ، كان يهدف كما قيل للحد من أنتشار وباء الأيبولا ، الى تصاعد الأتهامات للرئيسة في أنها أستغلت الحظر لأغراض دعم حملة أبنها لأنتخابات البرلمان .
تبادلت المؤسسة السياسية في سيراليون تهما متشابهه. تزامن تفشي الايبولا مع بدء تنفيذ التعداد الوطني وعملية مراجعة الدستور. في سياق انعدام الثقة الكبير السائد في البلد ، تحدثت بعض الأقليات الداعمة للمعارضة أنها تتعرض للتهميش من قبل الحكومة بسبب عدم منحها الموارد المناسبة ، خاصة في الأنتخابات . و أزداد التوتر عندما اتهم وزير الإعلام نواب المعارضة في كايلهون بنشر الأشاعات لأعاقة تنفيذ المشاريع الحكومية . كما أن التردد الحكومي أعاق أيضا الكثير من الجهود ، حيث اعترف مسؤولون في وزارة الصحة أنهم ترددوا في تطبيق تدابير احتواء قوية في قرية سوكومو و في كايلهون في المراحل الأولى للأزمة. واعترف مسؤول كبير أن عمليات الحجر في معاقل المعارضة تأخرت خوفا من أتهام الحكومة بقمع المعارضة . ضاع الكثير من الوقت في تلك الأتهامات المتبادلة بين الحكومة و المعارضة . هذه المشاكل كانت الأكثر في غينيا. قال مسؤول أممي أن الأزمة أستغلت سياسيا و أزدادت معها الخلافات العرقية . و تعرض بعض الصحفيين و موظفي الصحة و الجمعيات الأهلية للقتل عند تنظيمهم حملات توعية عن الأيبولا في وومي في أكتوبر 2014 ، حيث قال القرويون أن أولئك الأشخاص كانوا ينشرون عمدا المرض . القت النخب في المدن باللوم في مثل هذه الأحداث على التخلف السائد في البلاد ، كما أتهموا المعارضة بعرقلة جهود محاربة المرض لإثبات "أن الحكومة قد فشلت"، و أن الإيبولا قد أخترعت من أجل وقف أو تأجيل الانتخابات" أو كان حيلة رئاسية "لنشر الفيروس من أجل القضاء على بعض الأشخاص" . و انتشرت الأشاعات من جميع الاطراف. المعارضة أعربت عن قلقها من أن محاربة الأيبولا عززت من سيطرة الحكومة وسهلت تجنيد المتشددين الشباب لصالح الحزب الحاكم ، في حين يوفر للسلطات المساعدات الدولية الهامة ، و في نفس الوقت منعت القيود الصحية أنصارها من تنظيم الأحتجاجات . من وجهة نظر السلطات، كانت المعارضة وراء انتشار المعلومات المضللة التي كانت تهدف الى زعزعة استقرار الحكومة وعدم تشجيع المستثمرين. أن تسيس المرض من قيل الجانبين كان في غاية الخطورة. وهذا ما يفسر جزئيا المقاومة في مناطق معينة، على سبيل المثال غابات غينيا ، على الرغم من تكثيف التوعية.
///الدور الأقليمي والدولي في التصدي للأيبولا :
أن حالة عدم الثقة التي سادت في الدول المنكوبة أثارت العديد من الشكوك الإقليمية. قبل تفشي الايبولا كانت العلاقات الثنائية محدودة نسبيا بين الدول المنكوبة الثلاث، رغم أنها جميعا أعضاء في اتحاد نهر مانو الإقليمي. على الرغم من أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا كانت اول من حذر من تداعيات أوسع نطاقا في أواخر مارس 2014، الا انها اغلقت مكتبها الإقليمي في وقت مبكر من الازمة . اقتصر الدعم على تمويل زيادة المراقبة الوبائية من خلال فرعها الصحي، (منظمة الصحة لدول غرب أفريقيا). كما قامت منظمة الصحة لدول غرب أفريقيا بتنسيق وصول العاملين في المجال الصحي التطوعي نيابة عن الاتحاد الأفريقي، و المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا ، حبث وصلت المجموعة الأولى من المتطوعين إلى البلدان المتضررة في ديسمبر . حدد الاتحاد الافريقي في نهاية المطاف آلية التمويل ووفر 835 من العاملين في مجال الصحة في أعقاب قرار إنشاء بعثة رسمية في يوليو 2014. ومع ذلك، كان الاتحاد الافريقي و في المراحل المبكرة، "مقصرا مثل جميع الاطراف الاخرى المحلية و الدولية في مسألتي الإهمال والتعبئة". ولعل أهم أثر للوباء فيما يتعلق بالاتحاد الافريقي هو تسريع خطة لتشكيل المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها في أديس أبابا. وقال مسؤول في الامم المتحدة ان فيروس إيبولا "أول أزمة حقيقية لاتحاد نهر مانو" منذ الحروب الاهلية في ليبيريا وسيراليون ، والذي أدى الى المزيد من الانقسامات والتوترات والحدود المغلقة ، و ظهر ذلك جليا في حصول كل دولة على مساعدات خاصة بها بعيدا عن جاراتها ، و لم تتزايد الأتصالات بينها أو تتبادل المعلومات الخاصة بالمرض مع ضعف المراقبة و أخفاء المصابين في المراحل الأولى من الوباء .الأمين العام للرئاسة الغينية قال متاسفا ان ليبيريا و سيراليون وغينيا "تعاونت بشكل أكثر فعالية مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، ومنظمة أطباء بلا حدود و المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ، مما تعاونت فيما بينها . وقال مسؤول في الامم المتحدة أن مما زاد الأوضاع سوءا هو "التقسيم الاستعماري للدعم و الذي فاقم الخلافات الإقليمية، وزاد الانقسامات في اتحاد نهر مانو".
أن التركيز الأمني ، و هو في جانب منه محاولة للسيطرة على الخوف والذعر وكذلك الحفاظ على النظام العام، ربما كان ضروريا، الا أنه قد يتسبب في تأثيرات معاكسة، و يدفع الناس للأختباء أو إخفاء أفراد الأسرة المصابين، و هو ما حدث فعلا في الدول الثلاثة المنكوبة. أغلقت البلدان المتضررة حدودها و أتخذت أجراءات أحتواء واسعة النطاق . معظم شركات الطيران أوقفت الرحلات الجوية، بأستثناء الشركات الغانية و المغربية . كان من الصعب على الناس من البلدان المتضررة الحصول على تأشيرات سفر ، وكثيرا ما وضع رجال الصحة العائدون من المناطق المصابة بالحجر الصحي . تراجعت الأعمال والتجارة مما تسبب في عواقب اقتصادية وخيمة جدا. على النطاق الدولي ربطت بعض الدول مخاطر الإيبولا بأمنها الوطني و أحيانا الأمن الدولي . أعلن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن الوباء يشكل "تهديدا للسلام والأمن الدوليين"، وهي المرة الأولى التي تربط فيها أزمة صحية بالسلم و الأمن الدولي منذ فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. في الولايات المتحدة، التي لديها رؤية واستراتيجية للأمن الصحي العالمي" تدمجان مخاطر الإرهاب البيولوجي والأمراض المعدية ، يضع السياسيون و المسؤولون العسكريون الأميركيون الإرهاب البيولوجي والأمراض المعدية في خانة واحدة مع التهديدات الأمنية الخطيرة . قال الرئيس أوباما ان الولايات المتحدة ستنشر 3000 جندي في ليبريا في سبتمبر 2014، وذلك بسبب "الآثار السياسية والاقتصادية والأمنية الكبيرة بالنسبة لنا جميعا". كان الافتراض أن القيادة و التحكم و الخدمات اللوجستية الاميركية من شأنها أن تعزز فرص محاربة الأيبولا أثناء فترات الذعر وعدم اليقين. وكان نشر القوات مفيدا حتى و لو كان بشكل رمزي . تبعت بريطانيا الأمريكيين في نهاية المطاف و قامت فرنسا بنشر قوات لها في سيراليون وغينيا على التوالي.
أن تأسيسبعثة الأمم المتحدة للاستجابة الطارئةللإيبولا في 18 سبتمبر 2014 لم يسبق له مثيل تقريبا ، في فترة تصاعدت فيها المخاوف في أن المرض قد يتسسبب في أنهيار الدولة في ثلاثة بلدان. كانت البعثة تهدف في الأساس الى التصدي الى وباء الأيبولا ، و منحت البعثة صلاحيات تجاوزت جميع الصلاحيات الممنوحة لوكالات الأمم المتحدة القائمة. وكان التركيز على احتواء تفشى المرض، مع ضمان الخدمات الأساسية والحفاظ على الاستقرار . على الرغم من الوجود الكبير للأمم المتحدة في المنطقة، الا أن منظماتها كلها ، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، و هي المنظمة الأمثل للتعامل مع وباء اليبولا ، لم تكن قادرة على إدارة الاستجابة الإقليمية. اعتبرت فرق الأمم المتحدة المتواجدة في البلدان المختلفة فرقا مخصصة لمهام التنمية و ليست للعمليات الانسانية . لم يكن العمل الصحي ضمن صلاحيات البعثة الأممية في ليبيريا، على الرغم من دورها المهم في حفظ السلام منذ عام 2003. على الرغم من أن موظفيها كانوا يقدمون الرعاية الصحية في حالات الطوارئ و الأحوال الأعتيادية قبل أنتشار الأيبولا الا أنهم لم يكونوا مدربين للتعامل مع الاوبئة . قال منتقدو الأمم المتحدة أن بعثة الأمم المتحدة للاستجابة الطارئة للإيبولا لم تكن تؤدي دورها بالشكل المطلوب بالرغم من الصلاحيات التي كانت تمتلكها و التي لم تمتلكها الهيئات الاممية الأخرى و أنها كانت أكثر أستعدادا للتنسيق الداخلي بينها .قالت لجنة في منظمة الصحة العالمية أن بعثة الأمم المتحدة للاستجابة الطارئة للإيبولا لم تكن ناجحة جدا في البلدان المتضررة بسبب عيوب في هيكليتها و شهرين من التأخير لأعداد العمليات خلال فترة ذروة المرض . انتقدت اللجنة عدم تعاون وكالات الامم المتحدة المختلفة و أوصت اللجنة بعدم أنشاء أية بعثة مشابهة للتصدي للحالات الطارئة المستقبلية . أن أضافة هيئة جديدة الى المشهد لم يحدث فارقا كبيرا في التصدي للأيبولا من خلال خلق المزيد من التنسيق و التعاون بين البلدان المتضررة الثلاث .كما أنها لم تصحح الضعف في التصدي للوباء الناجم عن قلة عدد الجهات الفاعلة في المنطقة ، وتسببت في تأخر الأنشطة بسبب عدم قدرتها على التعامل مع كثرة التبرعات القادمة من خلال وكالات الامم المتحدة .
أن إخفاقات منظمة الصحة العالمية مهمة جدا لتحليل الاستجابة الدولية لهذا الوباء. كانتبعثة الأمم المتحدة للاستجابة الطارئة للإيبولا واحدة من ردود الفعل الكثيرة لتلك الإخفاقات، و كذلك المقترحات الخاصة بأصلاح المنظمة . من العيوب التي أشرت على منظمة الصحة العالمية أختيارها لموظفيها في المناصب العليا (ولا سيما لممثلي البلدان)على أعتبارات سياسية بدلا من الكفاءة و عدم أنسجام أقسام المنظمة و قلة الخبرة في مجال فيروس الإيبولا ، بالأضافة الى ضعف القدرة على تنسيق الأستجابة الدولية في الأزمات الصحية وعدم وجود مرونة في الاستجابة لحالات الطوارئ. أن ضعف قيادة منظمة الصحة العالمية وآلية التمويل مهمة جدا لفهم اسباب ضعف محاولات التصدي للأيبولا . و مثل بعثة الأممالمتحدة للاستجابة الطارئة للإيبولا ، فأن أنشاء برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الأيدز في وقت سابق يشير الى انعدام الثقة في منظمة الصحة العالمية لإدارة حالات الطوارئ الصحية العالمية. أن البرامج الأخرى التي تركز على أمراض معينة، مثل الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، قد صممت على شكل شراكات بين الحكومات والجهات المانحة (والمجتمع المدني). تلك البرامج كانت تدار من قبل مجالس أدارة، و لديها ميزانية إجمالية قدرها نحو 4 مليارات دولار في عام 2013. و أصبحت تلك البرامج هي القاعدة، الا أنها و كما عبر عن ذلك أحد الدبلوماسيين لم تساعد النظام الصحي لأن 80 في المائة من ميزانية منظمة الصحة العالمية مخصص لبرامج محددة، مما يعني عدم توفر الميزانية الكافية للحالات الطارئة . أن منظمة الصحة العالمية ، و التي تدين بالفضل في عملها الى نفس الدول الأعضاء التي وافقت على خفض ميزانيتها بشكل كبير ، تقوم على ثقافة التوافق بدلا من القيادة". أن الشلل البيروقراطي والهيكلي أعاق جهود المنظمة في محاربة الإيبولا . قيل أن قادة منظمة الصحة العالمية كانوا لا يريدون أغضاب السلطات المحلية أو التسبب بالضرر الاقتصادي.في جلسة طارئة لمنظمة الصحة العالمية عقدت في 25 يناير 2015 ، تراجعت حدة الأنتقادات بعد تصاعد الدعوات لأصلاح المنظمة ، من ذلك أعادة التاكيد على دورها المحوري في حالات الطوارئ الصحية ، وانشاء صندوق لمواجهة حالات الطوارئ ، و المطالبة بتحسين التعاون الدولي، وتطوير اللقاحات والأدوية بشكل أسرع وإعادة تأسيس فريق الاستجابة السريعة. على الرغم من صلاحية منظمة الصحة العالمية في توفير "القيادة والإشراف على الأمن الصحي وتنسيق الاستجابات الدولية"، الا ان الشكوك حول الإرادة السياسية والقدرات التقنية لا يزال قائما. ووفقا لخبير صحي عالمي ، "سريعة ورشيقة ومرنة، هي الصفات اللازمة لأية أستجابة للأزمات الصحية ، لكن ذلك لا يتوفر لدى منظمة الصحة العالمية".
///التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لوباء الأيبولا:
من السهل تحليل التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المباشرةلوباء إيبولا ، الا أنه من الصعب الحديث عن التاثيرات البعيدة الأمد . خسرت ليبيريا وسيراليون وغينيا ما لا يقل عن 1.6 مليار دولار في عام 2015 من الناتج المحلي الإجمالي بسبب هذا الوباء. وفقا لمنظمة أوكسفام، يشمل ذلك الرقم خفض الإنتاج وتراجع التجارة و تعطل الزراعة و زيادة العجز المالي وارتفاع الأسعار". علينا أن لا ننسى تخوف الكثير من المستثمرين من العودة الى البلدان المصابة . أن انهيار القطاع الوظيفي، الرسمي منه وغير الرسمي، بالأضافة الى الخسائر رافقهما تراجع اسعار الحديد . وينبغي عدم التقليل من أهمية الخوف و عدم الثقة التي سادت بين العاملين في القطاع الصحي و الناس بشكل عام مع قلة الموارد . زاد التمويل الدولي الرأسي لأمراض محددة والخدمات الطبية المنفصلة في كل بلد من تعقيد الوضع. أن استئناف الخدمات الصحية الأساسية ضروري ، خاصة مع الأمراض المزمنة و الأفتقاد الى اللقاحات وفقدان رعاية الأمومة. كان تطوير القطاع الصحي ، بما في ذلك تحسين المراقبة والاستجابة للطوارئ، هو أمر أكثر صعوبة بسبب وفاة ما يقرب من 500 شخصا من العاملين في القطاع الصحي في المنطقة . لقد تعطلت حوالي 75 في المائة من برامج التحصين، مما عرض حياة 20،000 شخص إضافي لخطر الأصابة في كل شهر. كانت القطاعات الصحية في البلدان الأكثر تضررا تحاول الصمود بوجه المرض ، وكان معدل الوفيات الناجمة عن أمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا أعلى بكثير من المعتاد خلال أنتشار وباء الأيبولا . كان يمكن لتوظيف استثمارات جديدة أن يكون لها تأثير إيجابي على المدى الطويل على الحد من أمراض أخرى، إذا جرى التخطيط لذلك بشكل أفضل من السابق . و كان يمكن للمركز الأفريقي أيضا تقديم مساهمة هامة.
في ذروة الوباء، في صيف عام 2014، سادت مخاوف من أن تعم الفوضى بلدان غرب أفريقيا ككل، ولكن الحكومات أستطاعت أحكام قبضتها على الوضع . اندلع العنف بشكل متكرر في البلدان المتضررة ، الا أن الوباء أستحوذ على الأهتمام الوطني الأكبر. في ليبيريا، تحولت الأزمة الصحية إلى أزمة أمنية ، كما قال تقرير للامم المتحدة ، لأن "البلد يفتقر الى المؤسسات الناضجة و القادرة على الاستجابة على نحو كاف للصدمات الداخلية أو الخارجية" . الأهم من ذلك، أظهرت الاستجابة "العسكرية" " ضعف البلد و التحديات التي تواجه أدارة البلاد ، جنبا إلى جنب مع انعدام ثقة الناس العميق بالسلطة . تتطلب عملية أعادة الثقة بعض الأجراءات البسيطة ، خاصة التحقيق في امر التبرعات التي قدمت لمواجهة الأيبولا ، وبناء الثقة في القطاع الصحي وأبعاد القطاع الصحي عن التسيس . في سيراليون، كان الوباء غطاء لقمع احتجاجات سياسية مرتبطة بطرد نائب الرئيس صامويل سام سومانا. بعد طرده من الحزب الحاكم وجهت لصامويل سام سومانا تهم العنف السياسي" في كونو وتأسيس حزب جديد . وقفت الحكومة بقوة ضد صيحات المعارضة للعصيان المدني بعدم السماح بالتجمهر و مددت حالة الطواريء . أما في غينيا، فقد تجددت الخلافات الأنتخابية أثر أعلان اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة عن موعد الانتخابات الرئاسية في أكتوبر عام 2015، قبل الانتخابات المحلية المقررة في الربع الأول 2016. اعترضت المعارضة، معتبرة ان المسؤولين المحليين المنتخبين سابقا فقدوا الشرعية، و أنهم تحت سيطرة الحزب الحاكم ويمكن أن يستخدمهم في عمليات التزوير . تجاهلت المعارضة الحظر المفروض على الاحتجاجات و الذي بررته الحكومة بمرض الأيبولا و نظمت بعض الأحتجاجات . نجمت عن هذه التظاهرات بعض أعمال العنف بين المتظاهرين وقوات الأمن، و اصيب الكثير بين قتيل و جريح . و بمساعدة دولية ، وقعت المعارضة اتفاقا يوم 20 أغسطس وافقت به السلطات على أجراء تعديلات فيما يتعلق بالسلطات المحلية واللجنة الانتخابية والتسجيل الانتخابي. الا أن التنفيذ كان مثيرا للجدل. في 11 أكتوبر، أعيد انتخاب كوندي في الجولة الأولى مع ما يقرب من 58 في المائة من الأصوات. شاركت المعارضة في الانتخابات لكنها رفضت الاعتراف بالنتيجة. مرة أخرى، كان هناك بعض أعمال العنف العرقية قبل وبعد التصويت.
ليس من المتوقع ان ينشب صراع مفتوح في المنطقة في هذه المرحلة. لكن، ومع أنتهاء الحروب الأهلية في غرب افريقيا ، ينبغي عدم الاستهانة بما تركته ورائها من أثار كبيرة و لا بهشاشة الوضع في المنطقة. قد يكون خطر الايبولا قد تلاشى . الا أنه يمكن لعدد من القضايا إثارة المزيد من القلاقل في البلدان التي تعاني من هذا المرض. أبرز أنتشار المرض عبر الحدود ضعف السيطرة على تلك الحدود. أن الحفاظ على الاستقرار يتوقف على الإدارة الفعالة في الدول المجاورة والتعاون وتبادل المعلومات. يمكن لانعدام الأمن أن ينتشر بسهولة. خاض مرتزقة من ليبيرياالحرب الاهلية في ساحل العاج مع طرفي الصراع وما زال من الممكن استخدام اولئك المرتزقة من قبل السياسيين الساخطين في المنطقة لتصفية الحسابات والضغط على الحكومات من اجل المزيد من التنازلات. وهناك انتقاد مستمر للحكومة الليبيرية في عدم محاربتها الفساد . إعادة الحديث عن محاسبة المفسدين هو الأثر الإيجابي المحتمل للوباء. في سيراليون، أن الإحباط الناجم عن فشل الحكومة في معالجة المرض والأزمة الدستورية الناشئة على اقالة نائب الرئيس ستكون لها بعض العواقب . ولكن كما هو الحال في ليبريا، تسببت الايبولا في تازيم المشهد السياسي الذي يمكن أن يشكل خطرا إضافيا على أعمار البلاد .. ربما تثير غينيا بعض القلق . أحزاب المعارضة لديها قدرة تنظيمية كبيرة، والمواجهة الانتخابية الأخيرة لم تخفض التوتر. يمكن بسهولة تعبئة العرقيات المحلية إذا شعرت تلك العرقيات بأنها تعامل بشكل غير عادل . يحتاج البلد الى تخيف حدة التوتر وتحسين المؤسسات الانتخابية قبل الانتخابات المقبلة.

محمد نجيب السعد
باحث أكاديمي عراقي