أذكر قبل سنوات كانت هناك قراءات ورؤى وحوار جاد من قبل بعض المسؤولين بتحويل جزيرة مصيرة، هذه المنطقة العزيزه في أقصى الشرق من عمان والتي يحيط بها بحر العرب من الجهات الأربع، إلى مدينة أشبه بهونج كونج نتيجة ما تتمتع به من موقع جغرافي يتوفر به كافة المقومات ليس السياحية فقط وإنما للاقتصاد والتجارة الحرة مع اكبر قارتي العالم آسيا وإفريقيا لانفتاحها على بحر العرب والمحيط الهندي، الا ان ذلك التوجه أشبه ما يكون بحلم لم يتعد طلوع الفجر وإدراج الطاولة الذي كتب عليها إذا كانت هناك مسودات أولية للمشروع، ولو أصبح ذلك الحلم حقيقة لكنا اليوم من الوجهات التي ييمم شطرها الاقتصاد العالمي من اتجاهاته الأربعة، ويستخدمها كمركز اتصال بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، فعمان في وقتنا الحالي ربما الدولة الوحيدة مستقرة سياسيا وأمنيا نتيجة ما تتمتع به من حيادية المواقف واستقلالية وسيادة اتخاذ القرار بعد أن آمنت حدودها وعملت بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وبالتالي لو كانت هناك قراءات بعدية لدى مخططي الاقتصاد لما بقت مثل هذه الكنوز منسية ومن بينها هذه الجزيرة الجميلة الوادعة حتى الان ولما طغى التفكير غير الإيجابي على معظم المحاولات من اجل إيجاد النقلة النوعية في الاقتصاد الوطني وتنوع مصادر الدخل القومي للبلاد.
جزيرة مصيرة التي اشتهر سكانها بقيادة السفن كان لها فيما مضى دور تجاري تاريخي وحركة نشطة في التصدير والاستيراد مع افريقيا وبعض المواني على الساحل الهندي وكذلك البصرة، مما جعلها ذلك في تلك الحقبة من التاريخ العُماني من بين أهم المراكز التجارية على طريق الملاحة العالمية وبالتالي فهي مهيأة ان تعيد ذلك التاريخ العريق إذا ما بدأت الجهات المعنية في الاهتمام بها كحالة خاصة بحثا عن الكنز المنسي او بالأحرى الضائع الذي تتوفر فيه مقومات تتناغم وتنسجم مع هوايات ورغبات مختلف الأجناس في الجانب السياحي، ومع أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في الجانب الاقتصادي وفي العهد الزاهر لعمان لاشك حظيت بالعديد من مجالات الخدمة التي ترتبط بحياة المجتمع اليومية وتؤمن له المزيد من عوامل الأمن والاستقرار الاجتماعي مثلها مثل باقي الولايات التي تشكل خارطة عمان، الا انها في المقابل هي وبعض المواقع أو اذا جاز لنا ان نسميها الكنوز المنسية ليس في مجال الخدمة وإنما الاستثمار، لم تستغل لتكون رافد قوي مؤثر وفاعل في دعم الاقتصاد الوطني وضمان مورد لا يتأثر بما هو قادم من أوضاع وأزمات، فسهولة الوصول اليها ليس صعبا حيث انها لا تبعد عن ساحل شنه سواء ٨ اميال بحرية وبعمق اقل من ٦ أمتار في بعض المسارات، فلماذا لا يكون هناك تفكير جدي بان تطرح للاستثمار كمنطقة عالمية حره ؟ وان تؤمن لها الخدمات اللوجستية من مطار دولي وجسر او نفق تحت البحر يخضع استخدامه هو او الجسر لرسوم عبور على المركبات، بالاضافة شبكة طرق ومواصلات داخلية وإذا استدعى الامر انشاء شبكة قطار فجزيرة مصيرة مساحتها الجغرافية تفوق مساحة بعض الدول فإذا علمنا بانه وفي ظل الإمكانيات المتواضعة حاليا يزورها في كل مناسبة او اجازه اكثر من ١٥٠٠ سائح، فكيف يمكن ان تكون حركة السياحة اذا ما اكتشفت كنوزها المتعددة.
اننا لا نعدوا الحقيقة اذا قلنا ان هذه الجزيرة بمقوماتها لا تقل أهمية عن تلك الأماكن التي قدر للبعض منا زيارتها في بعض الدول والتي تستقطب ملايين السياح سنويا وحركة تجارية واقتصادية لا تهدأ طوال العام، لذا فان مصيره مهيأ ان لم تكن أفضل فهي موازية لبعض تلك الأماكن لخصوصيتها المكانية وبعدها عن ضوضاء وضجيج العاصمة، فالاقتصاد المستدام يكون في مثل هذه الكنوز وليس في سلعة لها وقت محدود او يمكن ان تكون لها بدائل اخرى تحل محلها فتقضي عليها وعلى اقتصاد من تمثل له أحادية المورد.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]