ليس جديدا ما طرحه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من اعتزام فرنسا طرح مشروع لحل الدولتين وإلا فإنها ستلجأ للاعتراف بدولة فلسطين. تحتاج فرنسا بكل صراحة للمساهمة بغسل العار التاريخي لإقامة الكيان الإسرائيلي، أن تخطو كغيرها من الدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطين، بعدما جربت خلال العام الفائت طرح مشروعها إزاء القضية الفلسطينية والذي قرأه يومها الرئيس الفلسطيني محمود عباس باهتمام شديد وتضمن خمس نقاط ، غابت معظمها عن الاقتراح الفرنسي المتجدد. وكانت تلك النقاط تقول: تثبيت حدود الرابع من يونيو 1967، وتبادل أراض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وجعل القدس عاصمة مشتركة للدولتين، تجديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال، وعقد مؤتمر دولي للسلام.
لكن إسرائيل قامت قيامتها في ذلك الوقت على هذا المشروع، وتم وقف الكلام حوله، إلا أنه وبحكم مرارة الوضع الفلسطيني، والتيئيس الإسرائيلي للفلسطينيين، إضافة إلى مشاريع الاستيطان بالجملة والتي حولت الضفة الغربية إلى غابة من المستوطنات، ومن ثم عدم الاعتراف بالحق الفلسطيني وخصوصا بعودة اللاجئين، هذه العوامل وغيرها، ستظل لغما قائما في وجه التقدم السلمي في المنطقة.
فالعثرات التي تضعها إسرائيل دفعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى تصريحه الشهير ضد الاستيطان، ومن يتقدم على هذه الجبهة الساخنة، فإنه يفتح الملف المفضي إلى سائر الملفات الأخرى. ولهذا الأمر، فإن العالم الذي شهد خلال العام الماضي اعتراف دول أوروبية وغير أوروبية بدولة فلسطين، إنما فتح الباب أمام أبرز اعتراف خلال القرن الماضي بحق ضائع يراد له أن يعاد إلى نصابه، ومن الظلم أن يظل هذا العالم صامتا إزاء قضية عادلة ومحقة.
لاشك أن فرنسا حضن دافيء لإسرائيل، وهي التي ساهمت عبر عهود بانتقاص الحق الفلسطيني، تجد نفسها هذه المرة أمام اختبار نوايا، نعتقد أنه بات يلزمها بأن تتقدم لأخذ مكانة لها إلى جانب الحق والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. أما اذا كان كلام فابيوس مجرد تكتيك يراد له التحريك ثم الانفضاض عن المشهد المطلوب، فهو أمر اعتادته الدبلوماسية الفرنسية واعتدناه منها، ويكاد أن يكون موقفها في العام الماضي واحدا من الشهود عليه.
الدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطين، إنما أرادت أن تقول الحق والعدالة في وجه التعنت الإسرائيلي الذي يلقى من الأميركي كل الدعم والمساندة، وكذلك من الفرنسي وغيره. وفي حجم التحولات الدولية إزاء قضية شعب فلسطين، والتي أنتجها صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته وشهدائه، وإصراره على أن يكون له موقع على خارطة الأرض كما كان قبل النكبة الكبرى، فلم يعد بالامكان تجاهل ذلك، ولا انزال المزيد من اليأس بالفلسطينيين. فشعب فلسطين في كل مكان، داخل الأرض المحتلة، وفي غزة وفي الضفة وحتى في مخيمات اللجوء، فإن تصميمه على حقوقه ستؤتي أكلها، ولا بد أن ينهار في النهاية كل ظلم لحق به.
بانتظار أن تطور فرنسا موقفها وأن تعلن حقيقته وأن تكسبه الصدقية التي تجعل شكوكنا تزول، فليس من الحق على دولة كبرى ومهمة أن تظل خارج المشهد الأوروبي بل والعالمي إزاء أنبل وأحق قضية في التاريخ الإنساني، فهل تفعلها باريس هذه المرة وتنتصر للحق والعدل.