جرح المذهبية ينزف في الجسد العربي
مازال شبح العنف الطائفي والمذهبي يضرب بأمتنا العربية ويهدد وحدتها وقوتها .. فالهجوم الانتحاري الذي استهدف مسجد الإمام الرضا لمسلمين شيعة في محافظة الأحساء السعودية أثناء تأديتهم صلاة الجمعة مخلفا ضحايا بين قتيل وجريح يعد دليلا جديدا على انتشار الأفكار المغلوطة عن الدين الحنيف الذي ألصقت به تهمة الإرهاب والعنف زورا وبهتانا .. فالإسلام لم يأمر مطلقا بقتل الإنسان أيا كانت ديانته أو مذهبه أو طائفته.
لقد كان التعدد المذهبي حتى وقت قريب هو نقطة قوة الأمة وثرائها ورقيها طالما تعايش أهلها في سلام وود يؤمنون جميعهم بالإله الواحد الأحد .. فكان المجتمع المسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا وعاش المسلمون كالجسد الواحد في توادهم وتراحمهم كما أوصاهم رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم رغم اختلاف رؤاهم ومذاهبهم .. ولكن دوام الحال من المحال فقد دبت بذور الفتنة في جسد الأمة المسلمة فأعمت أبصار وأصمت آذان وتصارع بعض أعضاء هذا الجسد مع أعضاء آخرين وحاولوا استقطاعهم من الجسد وهم لا يعلمون أنهم بذلك يقضون على الجسد بأكمله.
لقد عاش السنة والشيعة في المنطقة العربية جنبا إلى جنب طوال قرون دون مشاكل تذكر ووقف المسلم بجوار أخيه المسلم بغض النظر عن مذهبه .. أما ما يحدث الآن من تفجير لمساجد الشيعة إنما الغرض منه سياسي والمراد تأليبهم على سلطات بلادهم كي تحل الكراهية والفوضى محل التسامح والاستقرار في تلك البلاد .. فكما هو معروف أن ديننا انتشر بالحسنى وبالجدال بالتي هي أحسن وسط مجتمع كافر لا يعرف الله فكيف لنا أن نكفر مسلمين مخالفين في المذهب ونأمر بقتلهم كما يعتقد هؤلاء المتشددون !.
لاشك أن هناك أطرافا لم تعد تخفى على أحد تسعى لإشعال نار الفتنة الطائفية في المنطقة حتى يأكل المسلمون بعضهم بعضا وينهار اقتصادهم وتضعف شوكتهم فيسهل التهامهم وهذا واضح منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 حيث قامت قوات الغزو بإذكاء نار الفتنة المذهبية والطائفية بين أبناء الرافدين ثم في لبنان وسوريا ثم تحاول أن تنتشر هذه النار لتطال منطقة الشرق الأوسط بأكملها فيتحقق لها ما تحلم به من انتشار الفوضى والاضطراب في كافة ربوع المنطقة وإلا من هو المستفيد من ضرب استقرار البيت الخليجي وتفكيك وحدة مجتمعاته ؟.
لاشك أن وسائل الإعلام لها دور كبير في انتشار الفكر المنحرف بين المتطرفين وزيادة الشحن النفسي بين أتباع المذاهب المختلفة .. فهؤلاء الأتباع عاشوا طوال حياتهم كل في حاله لا يتدخل في مذهب الآخر أو معتقداته ولكن جاءت وسائل الإعلام بدعوى التقريب بين المذاهب فجمعت الأطراف المختلفة وانتصر كل منها لمذهبه وتصلب في رأيه ووصل به الأمر لتكفير الطرف الآخر .. ولم يقف هذا الاختلاف عند ضيوف البرامج الفضائية فقط بل تعداها إلى داخل المجتمعات فصار كل مواطن يبحث عن ماهية مذهب الجار وزميل العمل والصديق وكل من يتعامل معه بصورة يومية ومن هنا أوقظت الفتنة النائمة.
السؤال الذي يفرض نفسه كيف يمكن تجفيف منابع الفكر المتطرف التي استشرت في السنوات الأخيرة حتى نقضي على العنف الطائفي الذي يضرب بالأبرياء بين الحين والآخر ؟.
إن تجريم مثل هذه الحوادث في كل مرة لن يعالج الخلل فلابد من سد الباب الذي ينفذ منه الفكر المتطرف الذي يفرز أبناء المجتمع طائفيا وفتح أبواب التعايش في سلام ومحبة مهما تعددت المذاهب.. فالبيت العربي والإسلامي سيظل شامخا طالما تمسك أهله بمبادئ التسامح وقبول الآخر مهما كان ونظروا للإسلام نظرة شمولية بعيدا عن النظرة الضيفة للمذهب أو الطائفة التي تؤدي إلى انهيار الأمة.
إن جرح المذهبية الذي ينزف في أماكن كثيرة من أمتنا العربية يحتاج إلى علاج سريع وناجع كي يندمل في أسرع وقت ممكن ولن يتأتى ذلك إلا من خلال نشر المبادئ الصحيحة لديننا الحنيف الذي حث على التسامح والتعايش الحضاري والسلام الإنساني مع نبذ العصبية التي تعيدنا لأيام الجاهلية .. والأهم وقف خطاب الكراهية بين المذاهب الذي ينعق في كثير من الفضائيات وعلى منابر كثير من المساجد المحسوبة على المسلمين، إلى جانب غرس مفهوم الانتماء والوحدة الوطنية في نفوس الأجيال الجديدة باعتبارها واجبا مقدسا لابد من التمسك به كي نحافظ على وحدة وتماسك النسيج المجتمعي ونعلي من شأن الوطن فالدين لله والوطن للجميع.
إن عالمنا العربي والإسلامي في حاجة ماسة لاستعادة وحدته .. وانتشار المذهبية لن يؤدي إلا لتفككه وتفتته لذلك لابد من اتخاذ خطوات حاسمة لتصحيح المفاهيم وتطهير القلوب المتشددة حتى نستحق أن نكون خير أمة أخرجت للناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حتى التسول أصبح إلكترونيا
لم يترك الانترنت مجالا إلا وتدخل فيه .. فبعد الزواج الإلكتروني والطلاق كذلك والأرملة الإلكترونية وغيرها مما ينتسب للعالم الافتراضي ظهر على السطح مؤخرا لفظ "التسول الإلكتروني" حيث انتشرت بعض الفيديوهات تستدر عطف رواد مواقع التواصل للتبرع لرجال ونساء يدعون الفقر والمرض والحاجة للمساعدة لينتقل التسول من الشوارع إلى ساحات الانترنت.
الغريب أن مجموعة كبيرة من هؤلاء المتسولين اتضح أنهم محتالون أو مدمنو مخدرات أو داعمون لتنظيمات إرهابية ويستغلون حب الخير بين أصحاب القلوب الرحيمة لجمع الأموال مستغلين بذلك تقارير مزورة وصورا مفبركة لإيهام ضحاياهم بأنهم يستحقون المعونة والمساعدة وكسب تعاطفهم.
لاشك أن التسول مرفوض جملة وتفصيلا سواء في الواقع المعاش أو العالم الافتراضي .. فديننا لم يعرف التسول وقبح من يتسول ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم بل حث على التكافل ووعد المحسنين بمضاعفة الثواب والأجر أضعافا مضاعفة وشرع الكثير من الأحكام التي تقضي على الفقر كالزكاة والصدقة والتطوع والوقف وغيرها مما يفي باحتياجات الفقراء ويساهم في نشر العدالة الاجتماعية والتكافل والتواد والتراحم في المجتمعات المسلمة.
إن ظاهرة التسول التي استشرت في المجتمعات المسلمة بصورة فجة في السنوات الأخيرة في نظري هي ابتلاء من الله سبحانه وتعالى لأن الإنسان هانت عليه كرامته وعزة نفسه حتى إنه يستجدي الناس ولو كان غير محتاج لهذه الأموال .. فمعظم من يتم القبض عليهم يجدون بحوزتهم أموالا كثيرة وهو ما يعني أن التسول أصبح مهنة وليس حاجة كما هو معروف عنه.
لقد أوضح لنا القرآن الكريم مواصفات الفقراء الذين يستحقون الصدقة وهؤلاء من يجب أن يحرص كل مسلم على الوصول إليه ومساعدته .. أما من يسأل الناس في المساجد والطرقات ويقتحم البيوت من خلال الابتزاز الإلكتروني فلا يستحق العطف والإنفاق لأنه باع كرامته وعزته من أجل حفنة من المال.
إن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بالسعي في الأرض لطلب المال وحث على العمل مهما كان صغيرا في كافة المجالات الحلال التي تجلب الرزق كالتجارة والزراعة والصناعة وغيرها من المجالات التي تمنح الإنسان المال الذي يغنيه شر السؤال .. أما مد اليد للحصول على المال دون تعب أو نصب فهذا كسل منهي عنه.
لاشك أن التسول ظاهرة تشوه المظهر الحضاري لأي بلد لذلك لابد من التصدي لها وعدم الانسياق وراء أي كلمة استجداء فليس كل من يمد يده يستحق الصدقة .. وعلى هؤلاء المتسولين الاجتهاد في طلب الرزق فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أبدا أجر من أحسن عملا.

* * *
حروف جريئة
ـ تدرس الحكومة حاليا قانون معاقبة السائق الذي يتم ضبطه يستخدم هاتفه النقال أثناء القيادة بعقوبة تصل إلى السجن لمدة عامين ودفع غرامة قدرها 300 ريـال .. قد يرى البعض أن هذا القانون صارم إلى حد كبير وأن العقوبة مبالغ فيها ولكن نحن بحاجة لهذه القوانين الصارمة للحد من حوادث المرور .. فحياة السائق أغلى من العقوبة ومن يريد أن يستخدم الهاتف النقال فليقف بجانب الطريق حتى ينهي مكالمته.

ـ بعد أن أعلن ندمه على التدخل في سوريا أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن بلاده مستعدة لملاحقة داعش في ليبيا .. يبدو أن الأميركان لا يستوعبون أبدا الدروس من المواقف التي تمر بهم فبعد الفشل الذريع في العراق تدخلوا في سوريا وبعد فشلهم فيها يريدون التدخل في ليبيا .. متى ترفع أميركا أيديها عن البلاد العربية ؟.
كلمة نقولها لأوباما: ثلثا مستشفيات ليبيا مغلقة وهناك 2 مليون مواطن ليبي يحتاجون للأدوية .. فهذا البلد بحاجة للمساعدات الإنسانية أكثر من حاجته للطائرات والقذائف التي تحصد الأرواح البريئة.

ـ الإعلام الغربي لم يعد ينشر عن العرب سوى تصديرهم للإرهاب والفوضى للدول الغربية من خلال اللاجئين وتناسى تصديرهم للخبرات العلمية والثقافية وهجرة الأدمغة التي كانت تشجعها الدول الغربية لهجر بلادها وتفتح لها أبواب معاملها لتستفيد منها.

ـ نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن الاستخبارات الأميركية والبريطانية كانتا تتجسسان على إسرائيل .. حقا كما تدين تدان فالدولة الصهيونية لم تترك دولة لم تتجسس عليها.

* * *
مسك الختام
قال تعالى : "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور".

ناصر اليحمدي