يقول الله تعالى في الكتاب الحكيم:(فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ( آل عمران ـ 159) ، كما تؤكد بعض الأمثال بأنه:(متى توفرت الإرادة سهلت الطريقة) كما أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فالإرادة تعدّ نصف الطريق للإنجاز، كما أنه لكل شيء في الوجود خطوة أولى أذكر في هذا المقام بأنني في إحدى المقالات منذ عقد من الزمن ناشدت الجهات المختصة في البلاد بتكثيف الاهتمام بالمواصلات العامة المعنية بالنقل الوطني، ويجب أن تعزم على تطوير النقل بإرادة قوية وذلك لأهداف سامية نجملها في التخفيف من ازدحام الطرقات والحد من حوادث المرور والتقليل من استهلاك الوقود كما أنّ الأعباء المالية (القروض) التي قصمت ظهور أبنائنا كان من ضمن أسبابها ؛ قلة توافر النقل العمومي إلاّ أنّ المناشدة حينها لم تلق آذانا صاغية وهو ما يدعونا للقول بعدم استشراف الجهات المعنية بالنقل ـ سابقا ـ للمستقبل فيما يتعلق بنضوب النفط أو انخفاض قيمته المادية مع قدرتنا آنذاك على إيجاد بدائل تعين المواطن والمقيم فيما يعنى بحركة النقل البري بين المحافظات عامة وفي عاصمة المليون نسمة خاصة.
من يدّعي بأنّ الكثافة السكانيّة في البلاد لا تستحق عناية النقل العمومي بحجة قلة الكثافة السكانية إضافة إلى قول بعضهم: هذا بلد نفطي ولا يستدعي ذلك فالكل يملك سيارته الخاصة، أرد على هذا الادعاء بأنه ضرب من العشوائية والتخبط في التخطيط وليس أدلّ على ذلك من وجود شركة نقل وطنية واحدة، ولدت منذ عقود من الزمن لم يكتب لها الانتعاش والتطوير ومواكبة الركب في قطاع المواصلات العالمي فبقيت تئن تحت وطأة الجمود كما أنها لم تعرف في السياق الداخلي جيدا فبقيت رهينة الاستحياء تعمل على مشاوير ذهاب وإياب لبعض المحافظات وتنقص قدراتها الداخلية وحاولت مرارا وتكرارا إيجاد مقارنة بين شركات النقل العمومي في بعض الدول العربية والغربية وبين شركتنا الوحيدة فلم أجد وجه مقارنة بينهما مطلقا من حيث مستوى التواجد المكثف والتردد على النقاط كل عشر دقائق، وعدم التوقف طوال اليوم، والتنظيم الجادّ في النقل والذي فعلا يعمل على خفض الازدحام المروري كما يتيح السياحة النشطة في البلاد حين يتطور لدرجة أنّ السائحين في بعض البلاد الغربية يمتلكون بطاقات خاصة لصعود حافلات النقل العمومي كما أنّ نقاط الصعود لا تستدعي تواجد موظفين بل تعمل بالتقنيات الحديثة كل ذلك يدعو إلى الجذب السياحي كما يدعو إلى التنزه والخروج في أيّ وقت يشاء السائح دون عوائق وتحديات النقل العمومي كما هو الحال هنا حين تتعطل سيارتك في طريق داخلي بالمحافظة فعليك بالانتظار الطويل حتى يحين الفرج فيفعل فيك مرتادو الطريق الخير إن أرادوا لك ذلك.
إنّ ما دعاني إلى كتابة هذا المقال المتعلق بالنقل العمومي ظهور حافلات حمراء تجوب المحافظة منذ فترة وجيزة وتقف في جميع المستويات بطول الشارع الطولي الممتد بطول المحافظة العامرة كما أدلت بذلك الصحف المحلية بأن شركة النقل الوطنية (مواصلات) ستدشن خطوطا جديدة بزيادة عدد الرحلات بين محافظات السلطنة، وتخصيص أربعين حافلة لنقل الركاب في مسقط بجانب سبع عشرة رحلة تنطلق يوميا خارج مسقط إلى جانب العديد من الخطط الهادفة إلى الرقي بشركة اتصالات وتوفير النقل العمومي وتهيئته للمواطن والمقيم، من هنا نقول: إنّ الأمل يجعل الصعاب فرصاً تغتنم.
كما ذكرت في مستهل المقال بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ، بيد أن الخطوة المرادة تأخرت كثيرا في بلد تخطى عدد سكانه الأربعة ملايين نسمة لعدم وجود شركات تنافسية تسهّل عمليّات النقل الداخلي ، وتغطّي كل شبر من محافظة مسقط التي تحتضن أكبر عدد من سكان السلطنة.
إنّ ما ندعو إليه من هذا المنبر الاعلامي تنفيذ استراتيجية وطنية تعنى بالنقل العمومي وتطوير هذه المنظومة المهمة في البلاد؛ تدعو إلى خيارات أكثر مرونة وتفاعلا مع المواطنين مع زيادة أساطيل النقل العمومي وفتح باب التنافس لشركات وطنية مماثلة تحقق أهداف الوطن والمواطن ولكم في كثير من دول العالم تجارب نجحت في هذا الباب ونماذج تتمكنون خلالها من نقل الأثر وتطوير النقل بما يتواكب والأحداث الجارية المتعلقة بانهيار أسعار المحروقات ورفع الدعم عنها وفي ذلك فرصة سانحة لأن نتعلم من الأخطاء السابقة كما أن في ذلك فرصة لتقديم خدمة تعوض المستهلك جراء التوقفات الكثيرة المتعلقة بالاقتصاد، فلأجل عمان لابد أن يشرق ضوء في مجال النقل العمومي.

د.خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]