[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/09/sayed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]السيد عبد العليم[/author]
”.. تدلل تجربة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي تمت الاطاحة به بعد اندلاع (ثورة الياسمين) في مطلع عام 2011 على ذلك بكل وضوح. فقد أفادت تقارير انه منذ الإطاحة ببن علي، انضم آلاف التونسيين الى تنظيمات ارهابية، في ظاهرة يردها محللون الى قمع بن علي للإسلاميين والفراغ الذي تلا سقوطه، بالإضافة الى الفقر وترامي الحدود مع ليبيا حيث تنتشر شبكات تجنيد وتدريب لتنظيم الدولة.”ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تسعى بعض انظمة الحكم في المنطقة للتصدي للتطرف الديني بكل السبل. ويأتي في مقدمة ذلك اتباع سياسة التضييق على الاسلاميين المعتدلين في محاولة منها لتجفيف منابع التطرف والإرهاب على حد وصفها. على اعتبار ان المعتدلين هم في النهاية مفرخة المتطرفين. فيتم التضييق على كل قنوات التعبير عن الرأي لهؤلاء المعتدلين والتضييق على بعض ممارساتهم الدينية وكذلك على مظاهرهم الدينية من قبيل التضييق على الزي الذي ترتديه بعض النساء كالحجاب او النقاب، في حين تكون الحرية المطلقة وربما تشجيع التعري والسفور.
كما تسعى بعض الانظمة الى الاستحواذ التام على السلطة من خلال العمل على سد الطريق أمام أي فصيل سياسي آخر للوصول الى السلطة بطرق ديمقراطية ولاسيما الفصائل ذات التوجه الاسلامي او ما يعرف بالاسلام السياسي. وعادة ما يتم وضع كل ذوي الاتجاهات الاسلامية المختلفة في خانة واحدة وبالتالي تكون المعاملة واحدة. وقد أثبت هذا التعاطي فشله الذريع. ويترتب عليه تزايد التشدد الديني وليس القضاء عليه. بما يصب في النهاية في اتجاه التشدد والغلو في الدين والتطرف.
وتدلل تجربة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي تمت الاطاحة به بعد اندلاع (ثورة الياسمين) في مطلع عام 2011 على ذلك بكل وضوح. فقد أفادت تقارير انه منذ الاطاحة ببن علي، انضم آلاف التونسيين الى تنظيمات ارهابية، في ظاهرة يردها محللون الى قمع بن علي للاسلاميين والفراغ الذي تلا سقوطه، بالاضافة الى الفقر وترامي الحدود مع ليبيا حيث تنتشر شبكات تجنيد وتدريب لتنظيم الدولة.
فقد أعلن تقرير صادر عن "فريق عمل الأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة" في 2015 ان أكثر من 5500 تونسي، تتراوح أعمار معظمهم بين 18 و35 عاما، انضموا إلى التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق وليبيا، مشيرا الى ان عدد المقاتلين التونسيين "هو بين الأعلى ضمن الاجانب الذين يسافرون للالتحاق بمناطق النزاع". كما ان هناك ما يعرف بجهاد النكاح حيث تم الاعلان ان عددا من الفتيات التونسيات سافرن الى سوريا والعراق لنكاح الارهابيين من مقاتلي داعش!
وأرجع مركز "كارنيغي" الاميركي للابحاث في دراسة نشرها مؤخرا انتشار الفكر الارهابي في تونس الى "تضييق الخناق على الفاعلين الدينيّين" في عهد بن علي خصوصا بعد "الأداء الانتخابي القوي نسبياً للحركة الإسلامية" سنة 1989.
وأعلن مسؤول امني تونسي كبير لوكالة فرانس برس ان "الفراغ الذي نتج عن محاصرة بن علي للشأن الديني، ملأته مواقع الانترنت والفضائيات الدينية الاجنبية التكفيرية خصوصا منذ منتصف التسعينات، ما ادى الى انتشار الفكر المتطرف في تونس. وقال:"نحن اليوم ندفع ضريبة سياسة بن علي الخاطئة في التعاطي مع الدين". وكان الرئيس بن علي قد أمر بإلغاء التعليم الديني في جامع الزيتونة في تونس وسعى جاهدا الى منع اغلب مظاهر التدين في المجتمع التونسي مثل ارتداء الحجاب والتضييق على المساجد. بل ان البعض ذهب الى انه كان قد طالب بعدم صيام رمضان لان ذلك يؤثر على الانتاجية. واعتبر الامام السابق لجامع الزيتونة حسين العبيدي ان تحجيم الجامع "أضرّ بتونس". وقال "كان جامع الزيتونة منارة لنشر الفكر الديني المعتدل في شمال افريقيا. ووجد الفكر المتطرف طريقه الى تونس في غياب جامع الزيتونة" الذي انبثقت منه اول جامعة علمية في العالم الاسلامي.
والظاهرة الجهادية (الارهابية) ليست جديدة في تونس، إذ سبق لأعداد من التونسيين ان قاتلوا في التسعينات في البوسنة والشيشان. وفي بداية الألفية الجديدة في أفغانستان والعراق. لكن لم يسبق أن بلغ العدد ما هو عليه اليوم، وفق ما يقول فريق عمل الأمم المتحدة.
ووفقا لوزارة الداخلية، فقد منعت السلطات التونسية 15 ألف شاب من الالتحاق بتنظيمات ارهابية في الخارج في الفترة الممتدة بين مارس 2013 ويوليو 2015. وشهدت تونس في 2015 ثلاث هجمات دموية تبناها داعش استهدفت متحفا في باردو(شمال) وفندقا في سوسة (وسط) وحافلة للأمن الرئاسي في العاصمة، وأسفرت عن مقتل 59 سائحا أجنبيا و13 عنصر أمن.
وقتل منذ نهاية 2012 عشرات من عناصر الأمن والجيش في هجمات نفذتها "كتيبة عقبة بن نافع"، وهي جماعة ارهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي 2013، اغتال ارهابيون المحامي شكري بلعيد والنائب في البرلمان محمد البراهمي وكلاهما معارض للاسلاميين.
واللافت ان هناك كثيرا من حكومات بلدان المنطقة تعيد تكرار تجربة بن علي بتقييد الاسلاميين المعتدلين والتضييق عليهم بغلق قنواتهم الفضائية وغيرها بل ومعاداتهم والزج بالكثير منهم في المعتقلات والسجون، مما يكون له مردوده العكسي بدفع هؤلاء المعتدلين الى التطرف اوعلى الاقل مناصرة التطرف والتعاطف معه. علما بان كثيرا من الجماعات الاسلامية المعتدلة طالما كانت حصنا في وجه التطرف الديني. فكم من معارك فكرية وغيرها نشبت بين المعتدلين والمتشددين. وهناك جماعات متشددة تعادي المعتدلين وتذهب الى حد تكفيرهم. كما ان التقييد الشديد للمعتدلين في بعض البلدان يدفع بعدد من ابناء ذلك البلد الى النظر الى ذلك على انه نوع من الكراهية او معاداة الدين في حد ذاته. فضلا عن ذلك، فان اعتقال المعتدلين وايداعهم السجون، يدفعهم بشكل طبيعي الى التطرف جراء ما يتعرضون له من عمليات تعذيب في السجون والمعتقلات ويصبح الامر بمثابة ثأر بينهم وبين السلطة التي امرت باعتقالهم وتعذيبهم فينخرطون في تشكيل تنظيمات متشددة تنخرط بدورها في اعمال العنف لتستمر الحلقة المفرغة من العنف والعنف المضاد.