” لقد كانت حماية البيئة احدى المشاكل الكبرى دائما: فالحكومة المركزية تضع معايير غير واقعية لا تستطيع الحكومات المحلية تحقيقها من دون تعريض النمو الاقتصادي للخطر. ولو كان بيد الزعماء المحليين وضع المعايير الملائمة محليا لكانوا يتحملون جزءا اكبر من المساءلة واهتماما اكبر بضمان الوفاء بهذه المعايير.”
ــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أيام عقدت الهيئتان التشريعيتان الرئيسيتان بالصين، وهما المؤتمر الوطني الشعبي والمؤتمر الاستشاري السياسي الشعبي اجتماعاتهما السنوية في بكين. ورغم أن وظيفة الوفود الأساسية هي المصادقة على القرارات المتخذة من قبل زعماء الحزب الشيوعي إلا أن مناسبة اجتماع المجلسين غالبا ما تذكي النقاش حول إصلاحات السياسة.
كان لدى الوفود الكثير لمناقشته، بما في ذلك الهجوم الدموي الأخير على مدنيين في محطة قطار بالجنوب، نسبتها الحكومة إلى حركة انفصالية في الغرب الصيني. على أن المسار الأكثر تبشيرا للإصلاح السياسي على المدى الطويل في الصين لم يكن مطروحا على الأجندة؛ ألا وهو الفيدرالية.
لا تزال الصين إلى حد بعيد هي اكبر دولة في العالم واكثرها اكتظاظا بالسكان لا تستخدم نظام الحكومة الفيدرالية، حيث تسيطر بكين بإحكام على كافة مفاصل السلطة السياسية وصنع القرارات الرئيسية. بالمقابل عملت دول من استراليا حتى فنزويلا من أجل حل مشكلة حكم المقاطعات الكبيرة والمتنوعة عن طريق منح حكم ذاتي فعلي للمناطق شبه القومية. وتتباين أشكال الفيدرالية، وفي بعض الأماكن مثل روسيا، تتواجد بشكل غير مريح مع سلطوية مستبدة.
ان الفيدرالية تحمل فوائد جمة للصين، لكنها تحتاج إلى زعماء في بكين يفوضون سلطة سياسية حقيقية وسلطة اتخاذ القرار للسلطات المحلية. برغم ان النظام الحالي يعمل الا ان دور الحكومات الإقليمية والمحلية يقتصر على تنفيذ السياسات من اعلى. ولكي يتم تنفيذ قرارات الحكومة المركزية يمنح الزعماء المحليون حق التصرف الواسع في كيفية انفاق الأموال، وتحدد معظم القوانين والتشريعات مستهدفات يتعين على الحكومات المحلية والاقليمية تحقيقها، بيد ان المسئولين المحليين لهم الحرية في استغلال الموارد كيما يتراءى لهم. تشريع الطاقة في الصين على سبيل المثال يحدد مستهدفات كفاءة بأن كل اقليم مسئول عن تحقيقها بشكل فردي.
الأمر المثير للدهشة ان الحكومات المحلية في الصين مسئولة عن حصة في الانفاق الحكومي الاجمالي اكبر منها في الولايات المتحدة أو سويسرا. على ان هذه اللا مركزية الاقتصادية لا تساوي الفيدرالية، بمعنى أن الحكومات المحلية تنفذ السياسات دون أن يكون لها حق وضع هذه السياسات.
ويعكس هذا الهيكل المتسلسل تراثا طويلا من الفكر السياسي الصيني القائم على فكرة الدولة الواحدة الموحدة التي ينظر إليها من الناحية التاريخية كهدف طبيعي لأي حكومة، فيما حذر ادباء وقادة صينيون منذ زمن من مخاطر النزعة المحلية.
بيد ان تطبيق الفيدرالية من شأنه أن يخفف احدى اهم مشاكل الحكم المعاصر في الصين، ألا وهي حقيقة ان المسئولين المحليين غالبا من يطبقون السياسات المركزية بدون حماسة، اذا كان هناك حماسة اصلا. فالمسئولون الصينيون المحليون بانخراطهم في نظام يمنحهم وفرة في المسئوليات ولكن من دون مساءلة أمام الناس، يؤكدون على النمو الاقتصادي قصير المدى بدلا من الامتثال لتوجيهات تتعلق بمكافحة التلوث أو مستهدفات الرعاية الاجتماعية، ومن ثم تعاني السياسات البيئية والاجتماعية غالبا من سوء التطبيق. ولو كان المسئولون الاقليميون والمحليون لهم صوت اكبر في وضع السياسات لكان لهم نصيب أكبر من نتيجة هذه السياسات.
لقد كانت حماية البيئة احدى المشاكل الكبرى دائما: فالحكومة المركزية تضع معايير غير واقعية لا تستطيع الحكومات المحلية تحقيقها من دون تعريض النمو الاقتصادي للخطر. ولو كان بيد الزعماء المحليين وضع المعايير الملائمة محليا لكانوا يتحملون جزءا اكبر من المساءلة واهتماما اكبر بضمان الوفاء بهذه المعايير.
كما أن اكبر فائدة للفيدرالية للصين هي ما تبشر به من تحسين التعامل مع مخاوف مناطق الاقليات المضطربة. فالفيدرالية هي افضل السبل لتسوية مطالب المناطق المطالبة بالحكم الذاتي دون الانفصال عن القطر، وهي اذكى الاستراتيجيات طويلة المدى للتعامل مع الحركات الانفصالية في التبت وزينجيانج. فمن الناحية النظرية تعد هذه المناطق وغيرها من مناطق الاقليات مناطق مستقلة ذاتيا. أما من الناحية العملية فإن بكين هي التي بيدها مفاتيح كل شيء، ولا تتمتع هذه المناطق برائحة الحكم الذاتي الموجودة في معظم النظم الفيدرالية. ومن غير المرجح ان يحافظ هذا المظهر الزائف على الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل، في حين أن تطبيق الفيدرالية من شأنه ضمان حصول مناطق الاقليات على تمثيل في النظام السياسي، ومعالجة المطالب بحكم ذاتي اكبر.
الاهم من ذلك ان الفيدرالية تمثل الحل الوحيد السلمي طويل المدى الممكن تصوره لمشكلة بكين الطويلة مع تايوان. لقد اوضحت الصين بأن استقلال تايوان غير مقبول، بينما تايبيه تصرح بنفس القدر من الوضوح انها لن تعيش في جلباب جمهورية شعبية غير ليبرالية. وبالتالي فإن شكلا من اشكال الفيدرالية لتايوان بجانب هونج كونج ومكاو ومناطق الاقليات الصينية ويحافظ على الاستقلال الفعلي هو انجع الطرق للمضي قدما. بالطبع قد لا يحمل النظام الفيدرالي الناجح في الصين تشابها كبيرا مع النظام الاميركي ودول غربية اخرى. عوضا عن ذلك يمكن ان يتخذ شكل الترتيبات المطبقة في الهند وباكستان وماليزيا ودول اسيوية اخرى عديدة تلعب فيها الحكومة المركزية دورا اقوى كثيرا من دورها في الغرب، وحيث تصب كثير من الاحكام في صالح الحفاظ على الوحدة الوطنية. فالدستور الهندي مثلا يعطي الحكومة المركزية سلطة التدخل في الحكومات المحلية اذا تعرضت وحدة البلد إلى الخطر.
ان الدرس الكبير المستفاد من الفيدرالية هو ان الدول تستطيع ان تصبح اقوى بتطبيق نظام وحدة اكثر مرونة. واذا رغب قادة الصين في ضمان السلام والرخاء في بلادهم على المدى الطويل فمن الأفضل لهم ان يرسموا مسارا نحو مستقبل فيدرالي.

سكوت مور* زميل باحث بمركز بلفر للعلوم والشئون الدولية بجامعة هارفارد خدمة نيويورك تايمز سينديكيت ـ خاص بالوطن