” لربما كان المرء يخمن ويحاول الاستنتاج بشطط أن العالم، وتحديدا القوى الرئيسية فيه، بحاجة إلى داعش ربما أكثر مما كانت بحاجة إلى القاعدة ونواتها التي صنعتها أجهزة الاستخبارات الأميركية في أفغانستان وقت الاحتلال السوفييتي لها. بل وربما حاول تعزيز استنتاجه ذلك بتوجه أغرب لتغيير حلفائه التقليديين بقوى جديدة تناسب مصالحه أكثر في عالم ما بعد الحرب الباردة...”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مع تزايد المؤشرات الإعلامية على احتمال عمل عسكري غربي في ليبيا تحت شعار "مواجهة داعش الإرهابية"، يزداد قلق أمثالي من اتساع رقعة الإرهاب في المنطقة بل وحتى توقع قرب لحظة أن تصبح للإرهاب دولة تهدد كافة شعوب المنطقة ويتخذها العالم تكئة لإلقاء كل قاذوراته فيها. فقد قاربت حملة عشرات الدول ضمن تحالف مكافحة الإرهاب ضد داعش في العراق وسوريا على العامين ولم نشهد سوى توسع التنظيم الإرهابي في البلدين المنكوبين. وللمرء الحق في توقع أن يكون القصف الغربي لليبيا مقدمة لتوسع داعش وربما انتقال التنظيم الإرهابي إلى مصر وتونس والجزائر. ولكم أن تتصوروا أن تصبح الدول العربية في شمال افريقيا، إضافة إلى العراق وسوريا واليمن ساحة قتال دائم وإرهاب يفت في عضدها.
ليس هناك تفسير تآمري، ولكن من الصعب توقع أن يؤدي قصف طيران "التحالف الدولي" لليبيا إلى نتائج تختلف عما أسفر عنه في العراق وسوريا في نحو عامين. ولعل ليبيا كانت حالة مبكرة لتبعات القصف الجوي قبل خمس سنوات للقضاء على القذافي، والذي أسفر عن خراب شامل وبيئة خصبة لتربية الإرهاب. وكأنما العالم يتدخل للقضاء على الإرهاب قاصدا إنعاشه وتقوية شوكته ونشر نيرانه على نطاق أوسع. صحيح أن التسوية السياسية في ليبيا ليست ممكنة في المدى المنظور، وصحيح أيضا أن ليبيا التي كانت محطة ترانزيت للإرهابيين من شمال افريقيا والجزيرة العربية إلى سوريا والعراق عبر تركيا أصبحت نقطة تجمع معاكس. ويبدو أن "القصف" الدولي يتبع داعش حيثما انتقلت ليساعدها على "التفريخ" والانتشار.
من هنا يمكن فهم القلق المكتوم للدول المعنية بالحالة الليبية أكثر من غيرها، وتحديدا مصر والجزائر، على اختلاف موقف البلدين مما يجري في ذلك البلد المنهار كل حسب ارتباطاته الاقليمية والدولية. ولعل ما جرى مناقشته في القمة الافريقية بأديس أبابا قبل أيام بشأن ليبيا لا يتسق تماما مع ما جرت مناقشته في اجتماع روما لوزراء خارجية دول التحالف بشأن داعش في ليبيا. لكن للأسف لا يبدو أن دول المنطقة، ولا حتى ضمن الإطار الإفريقي الأوسع، تملك بديلا فاعلا لمواجهة خطر الإرهاب في شمال القارة. وحتى لو تجاوزنا عن الخلافات فيما بينها فإنه يصعب توقع أن يؤدي تدخلها في ليبيا إلى نتائج أفضل مما قد يسفر عنه القصف الغربي من "زيادة حدة الالتهاب الداعشي وانتشاره أكثر في جسد المنطقة المريض".
لربما كان المرء يخمن ويحاول الاستنتاج بشطط أن العالم، وتحديدا القوى الرئيسية فيه، بحاجة إلى داعش ربما أكثر مما كانت بحاجة إلى القاعدة ونواتها التي صنعتها أجهزة الاستخبارات الأميركية في أفغانستان وقت الاحتلال السوفييتي لها. بل وربما حاول تعزيز استنتاجه ذلك بتوجه أغرب لتغيير حلفائه التقليديين بقوى جديدة تناسب مصالحه أكثر في عالم ما بعد الحرب الباردة مثل الجماعة التي تمثل جذر كل هذا التطرف والعنف: الإخوان. لكن ذلك قد يقصر الأمر على حاجة الولايات المتحدة، وربما معها بعض حلفائها الغربيين كبريطانيا وربما فرنسا، لداعش وأمثالها والجماعة/الجذر. وقد يذهب البعض للوراء للقول بأن القوة التي اعتبرت متفردة بالريادة في العالم ما بعد الحرب الباردة وانهيار ثنائية القطبية ربما احتاجت إلى "خلق" عدو جديد بديلا للقطب الشيوعي ولن تجد أفضل من تجار دين كالإخوان وأذرعهم الإرهابية.
لكن ما يجري الآن يشير إلى أن العالم كله يبدو في حاجة إلى داعش والإرهاب وجماعات العنف المرتبطة افتعالا بالدين. فما تفعله روسيا (وريثة الاتحاد السوفييتي) لا يختلف كثيرا عما يفعله الغرب. بل ربما كانت قوى أخرى صاعدة على المسرح العالمي كالصين أو غيرها تحتاج أيضا إلى ـ أو على الأقل تستفيد من ـ داعش والإرهاب والإخوان. هل في الأمر شطط في التفكير، وجنوح في الاستنتاج؟ لننتظر إذا لنرى ما سيفعله قصف ليبيا، ولننتظر أكثر قليلا لنرى ما سيحدث للجزائر. وللأسف ربما بعد كل هذا إما ألا ندرك أن الأمر على ما هو عليه أو يكون قد فات الأوان بالفعل. ويخشى المرء من أنه حتى الادراك حينئذ قد لا يفيد في انقاذ ما تبقى، هذا إن تبقى ما يستحق أساسا.
في النهاية قد لا يقصف الغرب ليبيا، وقد يكون الاكتفاء بغض الطرف عن قيام أطراف إقليمية بذلك لكن النتيجة واحدة تقريبا: مزيد من الإرهاب ومن داعش والرايات السود. وتبقى حقيقة شبه مؤكدة هي أنه لا يمكن أن يكون للإرهاب دولة، فتلك جماعات بطبيعتها لا يمكن أن تواكب العصر وطريقة وأسلوب حياته ناهيك عن تبني آليات عمل مجتمعاته. كما أن العالم وإن كان يريد داعش فإنما لأسباب أخرى تتعلق بمصالحه، وليس ليضيف اسما وعلما (أسود) للأمم المتحدة.

د.أحمد مصطفى
كاتب صحفي مصري