يبدو أن مضمون قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254) بأن "السوريين هم من يحددون مستقبل بلادهم بأنفسهم دون أي تدخل خارجي، وأن التنظيمات الإرهابية خارج أي عملية سياسية" لا يزال يمثل ضربة موجعة لبعض الأطراف الخارجية الداعمة للإرهاب وغطائه السياسي؛ ولذلك تحاول تفريغ القرار الأممي من هذا المضمون، وتفريغ التفاهمات القائمة بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة حول رؤيتهما للحل السياسي، وتمييع جلسات مؤتمر جنيف الثالث وإلحاقه بشقيقيه الأول والثاني بتفريغهما من مضمونهما، وإفشالهما حين وجدت الأطراف الداعمة للإرهاب والمتآمرة على الشعب السوري أن بوصلة المؤتمر تتجه عكس الاتجاه الذي يريده معشر المتآمرين.
التأكيدات الواردة من جنيف من قبل الوفد الحكومي السوري بأن كل ما حصل ويحصل هو أمور تمهيدية، وأن الجلسات الحوارية للمؤتمر لم تبدأ، وتأكيده أيضًا أنه لم يعرف مع من سيتحاور؟ هل مع بشر أم مع أشباح؟ وطالب الوفد الحكومي السوري ـ مرارًا وتكرارًا ـ ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا بموافاته بقائمة وفد "المعارضات" التي سيتحاور معها، لكن مطالبته لا تزال معلقة، وهذا يدل على أن دي ميستورا نفسه لا يعرف أسماء وفود المعارضات، وبات يدور حول نفسه.
الأشباح التي يتحدث عنها الوفد الحكومي في جنيف لا تؤكد أن المؤتمر أضحى ستارًا للاعبين الحقيقيين فحسب، وإنما تؤكد أن هناك اتفاقًا بين أطراف في حلف التآمر والإرهاب على سوريا على تفريغ المؤتمر من أي مضمون ومن التفاهمات القائمة حوله، وإدخال اليأس والإحباط إلى أنفس الوفد الحكومي السوري ودي ميستورا ذاته، بمعنى إنهاك الخصم وإجباره على الزهق ومن ثم إعلان الانسحاب ليقال إن الوفد الحكومي هو من أفشل المؤتمر، كما حصل في المؤتمرين السابقين اللذين وجهت أصابع الاتهام إلى الوفد الحكومي، في حين الحقيقة كانت واضحة وثابتة أن حلف التآمر والإرهاب هو من أفشل جولات المؤتمر وبخاصة الثاني لمراهنته على جولة إرهابية كان يعدها آنذاك باتجاه العاصمة دمشق انطلاقًا من الحدود مع الأردن. ويبدو أن الرهان ذاته يسير نحو إرادة إفشال جنيف الثالث لتجهيز جولات إرهابية جديدة ضد سوريا، وبانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية.
ومن يتابع تصريحات الناطقين باسم أشباح المعارضة، والسباب والشتائم والاتهامات الباطلة التي يكيلونها ضد الحكومة السورية، وحلفاء سوريا وأصدقائها المخلصين، يجد أنها لا تخرج عن السياق ذاته الساعي إلى التشويه والتحريض والإرباك بهدف التعطيل والإفشال.
من الواضح أن أشباح المعارضة وصانعيها والمتخذين منها واجهة لتمييع جهود الحل وتخريب وتدمير الدولة السورية، باتوا في حكم الواقع واليقين بأنهم لم يعودوا يمتلكون أي ورقة يمكن أن يفاوضوا بها، ولهذا لم يجدوا سوى العزف على وتر الوضع الإنساني، ومحاولة استغلال هذه الورقة بتسويق أنفسهم بأنهم حريصون على حياة الشعب السوري وعلى مصلحته وأمنه واستقراره من ناحية، ولتحرير تنظيماتهم الإرهابية من حصار الجيش العربي السوري، ولإنقاذهم من مصير محتوم من ناحية أخرى، وذلك بالإصرار على فرض شروط مسبقة، وهو ما يتنافى مع ما تم الاتفاق عليه بين موسكو وواشنطن والأمم المتحدة وهو الحضور إلى مؤتمر جنيف الثالث بدون شروط مسبقة. لذا وفي ظل إرادة تعطيل الحل السياسي وإضاعة الوقت وتفريغ القرار رقم (2254) وأي تفاهمات روسية ـ أميركية، ستواصل أشباح المعارضة وضع العصي في عجلات الحل السياسي، والعربة أمام الحصان، تنفيذًا لأوامر أسيادها وصانعيها.
على أن السؤال الذي يبقى مشروعًا هو: هل الولايات المتحدة جادة للتوصل إلى حل سياسي وعبر حوار سوري ـ سوري؟ بالتأكيد هذا ما سيكشفه جنيف الثالث.