النفس البشرية جبلت على حب المال الذي جعلت مستخلفة فيه، يقول الله - تبارك وتعالى -:(وَتحِبّونَ الْمَالَ حُبّا جَمّا)(الفجر/20). ويقول - عز من قائل :(وَإِنّهُ لِحُب الْخَيرِ لَشدِيدٌ)(العاديات/8). ولما كانت جبّلة الإنسان وفطرته وغريزته منسوجة على هذا النوع من الحب كان اهتمام الإسلام وتشجيعه على كسبه وأداء حقه وعصمته وحفظه من الضرورات المقاصديِّة البيّن أمرها، والواجب بحثها، لعظيم شأنها، وجعلت الشريعة الغراء الحفاظ على هذا المال بطرق ووسائل، ومجالات مختلفة المسائل، ومن بين تلك الطرق الحفاظ عليه بعدم التعدي، والحق في تملّكه والتصرّف فيه، وقد وردت عدة نصوص شرعية تحرّم التعدي على ملكية مال الإنسان إلا بإذنه. ومن بين النصوص القرآنية الوارد في هذا الشأن قوله تعالى:(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). كذلك جاءت النصوص النبوية موضحة عصمة الأموال يقول -صلى الله عليه وسلم -:(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا يحل مال المسلمين) وفي رواية زيادة (إلا بطيب نفسه). فهنا دلالة على أن أموال المسلمين الأصل فيها الحرمة والعصمة لا يجوز التعدي عليها أو انتهاكها بأي صورة من صور الاعتداء، سواء كان بالقوة أو الحيلة أو الخفية أو ما عداها، كما يجب الحفاظ عليها عند أخذها وتسخيرها لأجل المنفعة. وقد راعت القوانين العمانية الطبيعة الغريزية للإنسان في حبه للأموال وتطلّعه إلى امتلاك الثروات، ويظهر ذلك في إقرارها لحق التملك والتصرف في المال من عدة أمور، فهناك الحماية القانونية للمال عن طريق التملك العام أو الخاص له، فهناك إباحة التملك للفرد وفق مصلحة النظام وبما لا يتجاوز الحق الفردي ولا يؤثر على حقوق الغير في شأن الملكية. والدستور العماني ليس مثل بعض الدساتير العالمية في بعض النظم التي لا ترى الملكية الخاصة للأفراد وتجعل مال الأفراد للدولة، هذه المبادئ وغيرها أقرها الدستور العماني من خلال فقرات المادة (11) منه بالقول: "* لـلأموال العـامة حـرمتهما، وعلى الـدولة حمايتها وعلى المواطنين والمقيمين المحافظة عليها. * والملكية الخاصـة مصونة، فلا يمنـع أحد من التصرف في ملكـه الا في حدود القـانون، ولا ينـزع عن أحد ملكـه إلا بسبب المنفعة العـامـة في الأحـوال المبينة في القـانـون، وبالكيفيـة المنصوص عليها فيـه، وبشرط تعويضـه عنه تعويضا عادلا. * والميراث حق تحكمه الشريعة الاسلامية. * والمصـادرة العامـة للأمـوال محظورة، ولا تـكـون عقوبـة المصـادرة الخاصة إلا بحكم قضـائي في الأحوال المبينـة بالقانون". وهنا يظهر من ثنايا نص الفقرة الثانية من المادة السابقة جواز مشروعية التعرض لحق الملكية الخاصة للمال بالنسبة للأفراد في سبيل تحقيق المصالح العامة؛ أخذا بعدة قواعد شرعية منها: قاعدة (دفع المضار مقدم على جلب المنافع)، أو بلفظ (درء المفاسد أولى من جلب المنافع). وتقابلها قاعدة (يحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) وقاعدة (المنفعة العامة مقدمة على المنفعة الخاصة). وعليه يمنع المالك أن يتصرف في ملكه إذا كان تصرفه يضرّ بغيره. وقد نظم القانون جواز التعرّض لملكية الأموال الخاصة لأجل المصلحة وفق أطر معينة وبقانون خاص؛ حيث صدر المرسوم السلطاني رقم (64/78) ليقنن هذا التصرف على أساس عادل بين الفرد والدولة، فأشارت المادة (1) من هذا المرسوم إلى أنه : "يجوز نزع ملكية العقارات والأراضي المملوكة للمواطنين للمنفعة العامة ولقاء تعويض عادل طبقا لأحكام هذا القانون". وجاء في قانون المعاملات المدنية العماني ما يشير إلى المعنى السابق لحق الملكية في القانون، فقد أشارت المادة (56) في بنديها باعتبار المرافق والعقارات العامة والخاصة للدولة في حالات معينة ولا يجوز تملكها إلا بوجه مشروع. ومن ضمن مقتضيات المنفعة العامة التي يمكن أن يعترض لأجلها على حق الملكية للأفراد، إقامة المشاريع الحيوية والتنموية للدولة، حيث إن إقامتها فيه استمرار للعمل الاقتصادي الذي ينتج الأموال والمنافع للعباد ويحقق الازدهار للبلاد. إن حق الملكية والتصرف حق إنساني كما كفلته القوانين العمانية كفله المجتمع الدولي بقوانينه المختلفة، وأنظمته المتعددة، حيث نص الإعلان العالمي على ذلك في المادة (17) بقوله:" * لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره. * لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا". كما نصت دساتير دول الخليج على ذلك، كدستور دولة الإمارات العربية المتحدة في مادتيه (21) و (39)، ودستور دولة الكويت في المادة (16) و (18) و (19)، والنظام الأساسي للحكم في السعودية بالمادة (18) و (19)، وميثاق العمل الوطني لمملكة البحرين بالفصل الثالث منه. وأشار إلى هذا الحق البروتوكول رقم (1) لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الصادر في باريس في 20 مارس 1952، حيث نص في المادة (1) على أن: "لكل شخص طبيعي أو قانوني (معنوي) حق التمتع السلمي بممتلكاته. ولا يجوز حرمان أي شخص من ممتلكاته إلا من أجل المصلحة العامة، مع عدم الإخلال بالشروط التي يحددها القانون، وفي نطاق المبادئ العامة للقانون الدولي". ومع ذلك، لا تخل النصوص السابقة على أية حال بحق الدولة في تنفيذ القوانين سالفة الذكر حسبما تقتضيه الضرورة لضبط استخدام الملكية بما يتفق مع المصلحة العامة، أو لضمان الوفاء بالضرائب، أو المساهمات الأخرى، أو العقوبات". وأشار إليه كذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة (25) حيث قال: "حق الملكية الخاصة مكفول لكل مواطن ويحظر في جميع الأحوال تجريد المواطن من أمواله كلها أو بعضها بصورة تعسفية أو غير قانونية". وإلى لقاء آخر يجمعنا - بمشيئته تعالى - أستودعكم الله في الحل والترحال...

محمد بن سيف بن دويّم الشعيلي
[email protected]
- المحكمة العليا