خلال زيارته لبلادنل الحبيبة أعرب معالي بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة عن تقديره لدور السلطنة الهام والحيوي في إحلال السلام والاستقرار بالمنطقة وسعيها الدؤوب لحل أزمات الوطن العربي بالطرق الدبلوماسية، ورغم أن هذا التقدير ليس بجديد على السلطنة وتستحقه عن جدارة نظرا لما قامت وتقوم به من جهود ظاهرة للعيان لإقرار السلام في العالم أجمع وليس المنطقة فحسب إلا أن كل عماني يثمن إشادة معالي كي مون جيدا كونها نابعة من المسئول عن أكبر منظمة دولية.
عندما فكرت دول العالم في إنشاء منظمة الأمم المتحدة كان الهدف من وراء إنشائها هو حفظ الأمن والسلام الدوليين والقضاء على الحروب وكل مظاهر العنف والظلم وفض النزاعات بين الدول..
ولكن مع مرور الزمن وسيطرة القوى العظمى على مجريات الأمور حول العالم بدأت تحيد المنظمة الدولية عن دورها المنوط بها وأصبحت تراعي مصالح الدول المهيمنة حتى ولو على حساب دول أخرى نامية..
إلا أن السلطنة من الدول التي آثرت أن تسير على الطريق المستقيم طريق السلم والحوار المثمر البناء بعيدا عن التشدد والعصبية وساهمت بحكمتها ودبلوماسيتها في التقريب بين وجهات النظر المختلفة وتيسير الحوار بين الأطراف المتناحرة وهو ما جنب إراقة الكثير من الدماء البريئة.
لقد أثبتت السلطنة أن نظرتها للقضايا الساخنة ثاقبة وتحليلها للأزمات صائب وحلولها ناجعة..
فقد أعطت للعالم درسا في الدبلوماسية الناجحة التي تحقق الاستقرار والأمان وهذا يتضح من خلال استضافتها للمحادثات المعقدة بين إيران والدول الست العظمى التي انتهت بحل أزمة الملف النووي الذي كان يهدد المنطقة بحرب نووية مدمرة كذلك دورها البارز في الإفراج عن الرهائن في عدد من الدول وننتظر على أحر من الجمر دورها الكبير في حل الأزمة السورية..
إلى جانب جهودها المتميزة للحفاظ على البيئة من خلال جائزة السلطان قابوس للحفاظ على البيئة بالإضافة إلى مساهماتها الثقافية من خلال كراسي السلطان قابوس التي تحتل مكانا مميزا في جامعات كثيرة حول العالم وغير ذلك من الجهود التي يشهد لها الجميع بالتميز والانفراد والتي تخدم الإنسانية جمعاء.
لاشك أن النوايا المخلصة والفكر المستنير وحب الخير للجميع من قبل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ من العوامل الرئيسية التي ساهمت في حصول السلطنة على ثقة المجتمع الدولي وقدرتها على معالجة القضايا المختلفة..
فجلالته ـ أبقاه الله ـ يرى أن الإنسان خلق لإعمار الأرض لا خرابها وأن دوره الرئيسي هو تنمية وطنه ونهضته وكلما أخلص في ذلك تحقق له السلام والأمان والعيش الكريم الرغيد.
لقد وضع جلالته أبقاه الله للدولة سياسات ثابتة قوامها السلام والديمقراطية والتسامح تهدف لتحقيق التعايش الإنساني الحضاري وتراعي المصلحة العليا للوطن والمواطنين..
وبالفعل تحقق للإنسان العماني نهضة شامخة شاخصة للأبصار وتنمية بشرية رائدة ورفاهية لكل من يعيش على الأرض الطيبة وأمن وأمان واستقرار تهفو إليه نفوس شعوب كثيرة بالمنطقة..
وضربنا المثل في الدولة الناهضة القائمة على القانون والشراكة الفاعلة.
إن السياسة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة لبسلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وضعت اسم السلطنة في إطار واحد مع السلام والحق والعدل والتسامح ليس على المستوى المحلي فقط بل الإقليمي والدولي أيضا وهو ما دعم أواصر الصداقة مع شعوب العالم ومنح بلادنا هذه المكانة الرفيعة..
ساهم في ذلك المبادئ الراقية التي سارت عليها السلطنة من احترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شئونها بالإضافة إلى الالتزام بالقوانين الدولية والتشجيع على احترامها.
لقد برهنت السياسة الحكيمة أن القوة ليست بالسلاح وإنما بالحب والتفاهم والحوار الإيجابي البناء والبحث عن المشترك الذي يجعل الشعوب تتعايش في سلام وتفاهم واستقرار وأن السلام هو الطريق الأمثل لتحقيق الأمان والأمن والقضاء على النزاعات والفوضى..
وما أحوج أمتنا في الوقت الحالي لاتباع هذه السياسة الرشيدة حتى يعود لها استقرارها وأمانها حيث إن الاضطرابات التي تضرب جنباتها والاحتقان الذي يفتك بشعوبها والعنف المتفشي في أرجائها يحتم عليها الاستماع لصوت العقل والتمسك بفرص التقارب والتعايش السلمي حتى تنجو من فخ الانهيار.
حفظ الله قائدنا المفدى وأطال له في عمره وألهمه لما فيه خير البلاد والعباد والبشرية جمعاء وكلل مساعيه الحميدة بالتوفيق والنجاح وأدام علينا نعم الأمن والأمان والاستقرار وهدى شعوب العالم لما فيه خيرها..
إنه نعم المولى ونعم النصير.
* * *
هل تعود للجنائية الدولية مصداقيتها ؟ رغم أن زمن العبودية انتهي وولى وسادت المساواة بين البشر وتقر جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية أنه لا فرق بين أبيض وأسود إلا بما يقدمه لمجتمعه من خدمات إلا أن التفرقة العنصرية بين البيض والسود مازالت تتصدر المشهد العالمي..
وقد تهون هذه العنصرية عندما تصدر من أفراد وجماعات شعبية ولكنها عندما تصدر من منظمة دولية فهنا تكون الكارثة.
إن الطامة الكبرى أن المنظمة الدولية التي تميز بين أعضائها على أساس اللون هي المنوط بها تحقيق العدل في العالم وهي المحكمة الجنائية الدولية والتي من المفترض أنها تحقق المساواة بين البشر وتعطي كل ذي حق حقه بغض النظر عن جنسيته أو نوعه أو لونه ولكنها للأسف مازالت تدار وفق هوى القوى العظمى فتراعي مصالحها وتحقق لها العدالة من وجهة نظرها حتى ولو على رقاب الضعفاء..
ولا ترى أعين المنظمة الأممية سوى العرب والسود فتقيم عليهم الحد وتطبق عليهم القوانين الدولية أما فيما عدا ذلك فلا حياة لمن تنادي.
لاشك أن الخطوة التي اتخذها القادة الأفارقة في اجتماعهم مؤخرا بأديس أبابا بتأييد المبادرة الكينية التي تدعو إلى انسحاب جماعي من المحكمة الجنائية الدولية خطوة جريئة ورد فعل قوي لو استوعبته هذه المؤسسة الأممية لأقامت العدل والحق حتى تعود لها مصداقيتها التي فقدتها بسبب ازدواجية المعايير التي تتعامل بها مع القضايا المختلفة.
لقد اتهم القادة الأفارقة الجنائية الدولية بأنها تكيل بمكيالين وتستهدف قارتهم بشراسة وآخرها ما صدر منذ أيام بشأن محاكمة الرئيس العاجي السابق لوران غباغبو وغير ذلك الكثير..
وفي الواقع عندهم كل الحق فالانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان في كل مكان وبالرغم من ذلك تغض المحكمة الدولية الطرف عنها ولا تلاحق سوى العرب والسود فقط..
أما ما تقوم به إسرائيل مثلا في حق الفلسطينيين أو الدول الأوروبية في حق اللاجئين أو الأميركان في حق السود والمسلمين فكل هؤلاء الضحايا لا حقوق لهم ولا تسري عليهم قوانين المحكمة الدولية والدول العظمى لا يطالها العقاب طالما بشرتها سمراء وجنسيتها غير عربية.
إن المحكمة الجنائية الدولية عندما تأسست في عام 2002 كانت تهدف لمحاكمة كل من يرتكب جرائم حرب أو إبادة جماعية في بلاده ولكنها سلطت سيفها على ثمانية بلدان كلها أفريقية والغريب أن معظم الاتهامات لا تجد أدلة تدعمها..
وهو ما يجعلنا نتساءل أليس هناك أحد في العالم ينتهك حقوق الإنسان سوى المسئولين في أفريقيا فقط ؟.
إن عصا التهديد التي ترفعها الجنائية الدولية يجب أن تراعي أبسط المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية فتشهرها في وجه القوى الظالمة التي تعيث في الأرض فسادا وتستعبد الناس وتعتقد أن الكون كله ملكا لها وحدها وما عداها فهم عبيد.
آن للأمم المتحدة ومنظماتها الرادعة كمجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان التابع لها ومحكمة العدل الدولية أن تتخلص من هيمنة الدول الكبرى التي تتحكم في كافة مفاصلها وتسيرها وفق مصالحها لتوسيع رقعة سيطرتها..
فعلى المنظمات الأممية أن تنتفض وترفض التبعية وتعلن استقلال قراراتها وسيادتها حتى لو تعارضت مع مصالح القوى العظمى خاصة أميركا..
فهذا البيت الكبير أنشئ ليضم دول العالم أجمع ويحكم بالعدل فيما بينها ولم يتأسس لكي يأكل القوي الضعيف..
وإذا كانت المحكمة الدولية تريد تحقيق العدل فلتنظر في القضايا التي تم رفعها ضد العدو الصهيوني وما يقوم به من جرائم إبادة واعتداء وحرب ضد الشعب الفلسطيني..
فلماذا تطلق أياديها ضد الدول الأفريقية والعربية وتغلها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ؟.
على المنظمة الأممية أن تعيد ترتيب أوراقها لتستعيد ثقة الشعوب مرة أخرى وتقف بجانب الحق قبل أن تفيق يوما على انسحاب جماعي عالمي من عضويتها.
* * *
آخر كلام يقول الشاعر العربي:
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر

ناصر اليحمدي