[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
بعد عدّة أشهر من غزو العراق كنت عائدا من مؤتمر عالمي وداخل الطائرة تحدث معي أحد الأشخاص، ذكر اسمه أمامي ليُعّرف بنفسه، أدركت أنه مندهش لأنني لم اتعرف على شخصه من خلال اسمه، هززت رأسي معتذرا عن عدم معرفتي به، ارتسمت على قسمات وجهه علامات الاستغرب معتقدا أنني اتعمد تجاهله، أردف موضحا أنه مرشح لرئاسة الوزراء في العراق وأن اسمه قد ظهر في وسائل الإعلام وتردد كثيرا خلال تلك الفترة، قلت له هل أنت من العشيرة الفلانية، شعر ببعض الارتياح وأجاب بنعم، رمقته بنظرة سرعان ما ادرك أنها نظرة خاصة بكل من جاء مع الغزاة أو تعاون معهم من عراقيي الداخل، حاول الهروب من مأزق قد شعر بفحواه ودلالاته، وقال بلهجة فيها بعض الزهو والتباهي، إنه يسعى لتشكيل حكومة" تكنوقراط"، وهذا المصطلح ما دعاني للكتابة عن تلك الواقعة بسبب الحديث الواسع الذي يتردد في الأوساط العراقية عن توجه حيدر العبادي رئيس الحكومة الحالية، لإعادة صياغة الحكومة الحالية ذات التوجه والمضامين الطائفية والعرقية المحاصصاتية المعروفة للجميع تحت مسمى "تكنوقراط"، قلت لمحدثي الذي لم يحصل على منصب رئيس الوزراء كما لم يحصل على منصب وزير ولا مدير عام في الحكومات المتعاقبة بعد الغزو عام 2003 وحتى يومنا هذا، قلت له: يبدو أن مصطلح " حكومة التكنوقراط" قد اصبح وسيلة يستخدمها الكثيرون للهروب من واقع سيء يعيشه هؤلاء، لاحظت استغرابه من كلامي، ودون أن اعطيه فرصة للرد اكملت حديثي بالقول، إن الشخص الذي يطلق عليه تكنوقراط يجب أن يتوفر على شروط معروفة ودقيقة، في مقدمتها أن يكون صاحب علم رفيع وتخصص دقيق وتاريخ ناصع ونزاهة لا شائبة فيها، وكل من يقف على هذه المواصفات لا يمكن أن يقبل العمل مع الغزاة المجرمين المحتلين الأميركيين، ولا يتعاون مع مشاريعهم التي تهدف لتمزيق العراق وتخريبه وتدميره، وأن رجل " التكنوقراط" لا يرتضي لنفسه العمل تحت يافطة احزاب طائفية وعرقية لا يهمها غير مصالحها وتبني برامجها على اساس توسيع الفجوة بين ابناء البلد الواحد وتخريب العلاقات التي تمتد لآلاف السنين، وأن هوية شخص " التكنوقراط " ترفض توزيع المناصب على اساس المغانم التي تذهب بثروات البلاد إلى جيوب السياسيين، وأن العقول النظيفة التي تتسلم هذه المسؤوليات لا يمكن أن تعمل تحت برامج وخطط وضعها الغازي المحتل لتتحول في المستقبل إلى دستور يتم تخريب البلاد ونهب ثرواته تحت عناوينه المدمرة التخريبية ( في ذلك الوقت كانت نقاشات مجلس الحكم الانتقالي) الذي أسسه بول بريمر تتواصل لاقرارقانون ادار الدولة ) وان الدستور سيتم اعتماده وفق ما جاء في قانون ادارة الدولة ( وتم بالفعل دستور 15 "تشرين اول" اكتوبر عام 2005 مستندا إلى قانون ادارة الدولة سيء الصيت.
الآن يعود الحديث عن حكومة تكنوقراط، وقد تمت إضافة سجل خطير وطويل من الانتهاكات والسرقات التي تفوق التصور، فهل يقبل شخص يندرج تحت عنوان " التكنوقراط" أن يكون ضمن هكذا دستور وحكومة وعملية سياسية؟