[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
بإعلان سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان الخميس الماضي، إعادة تعيين الدكتور رياك مشار نائبا له، تكون الفرصة قد أتيحت مرة أخرى لشعب دولة جنوب السودان بالبدء من نقطة البداية لإعادة بناء ما دمرته الحروب التي شهدتها ارضهم طوال الستين عاما الماضية والتي راح ضحيتها أكثر من اربعة ملايين نسمة.
بهذا الإعلان الذي جاء تنفيذا لاتفاق سلام وقعه سلفاكير وحكومته مع خصمه السابق رياك مشار في العاصمة الأثيوبة اديس ابا في اغسطس 2015 بعد حرب استمرت عامين منذ 2013 بسبب اتهام الأول للثاني بمحاولة الانقلاب عليه، تكون حكومة الجنوب قد بدت تخطو نحو الاستقرار وحقن الدماء، خصوصا وان الحرب الأخيرة أدت الى سقوط الآلاف من المدنيين وفرار اكثر من مليونين إلى معسكرات الامم المتحدة ومئات الآلاف الى دول الجوار من بينها السودان والكنغو، يسطو على السطح.
وبنشوب، ثم تسوية ذلك الصراع على السلطة بين الرئيس ونائبه وما نتج او ماسينتج في السنوات او الأيام المقبلة، يظل مستقبل شعب جنوب السودان ودولته مرهوناً لحكمة او مزاجية رجلين يغذي صراعهما الكامن خصوصية التركيبة القبلية لشعب جنوب السودان الذي يتكون من مجموعات عرقية وقبلية متعددة في قمتها ثلاث قبائل بارزة هي الدينكا التي يفوق عددها الثلاثة ملايين نسمة ضمن ثمانية ملايين عدد السكان التقريبي للجنوب وينتمي اليها رئيس البلاد سلفاكير، بالاضافة الى قبيلة النوير وينتمي اليها نائب الرئيس الدكتور رياك مشار، والثالثة هي قبيلة الشلك، والتي تعتبر رغم قلة عددها عند المقارنة بغيرها، بانها الأكثر تنظيما لما لها من نظام سياسي مركزي يمثل فيه سلطانها السلطة الروحية والسياسية معا، ويطلق عليه لقب (الريث).
وتصنف قبيلة الدينكا ضمن مجموعة الشعوب الناطقة بلغة (اللو) وهي مجموعة اثنية من الشعوب ممتمدة في مناطق ودول مختلفة في شرق أفريقيا بينها قبائل الماساي بكينيا والتوتسي في رواندا وبورندي. فيما تتداخل قبيلة النوير مع اثيوبيا ضمن مايسمى في الانثربولوجيا بقبائل التماس، في حين يعتبر هذا التداخل القبلي احد اهم التعقيدات والتحديات التي تواجه مستقبل الدولة كونه يتيح فرصة الاستعانة بقبائل التماس من ذوي القربى بدول الجوار عند نشوب الحروب القبلية مما يساعد من اطالة امد اي حرب داخلية بالجنوب.
لقد تطلع شعب دولة جنوب السودان بعد اختياره الانفصال عن السودان في استفتاء 2011 إلى حياة كان يأمل في ان تكون الأفضل في دولة غنية بالنفط والكثير من الموارد الطبيعية والزراعية الأخرى، الا ان عدم قدرته على تجاوز الصراعات القبلية أدخلته في دوامة الصراع الدموي مرة أخرى، لدرجة اعطت انطباعا للمراقبين بأن دولة الجنوب تتجه نحو الفوز بلقب الدولة الفاشلة.
بهذا فان تعقيدات التركيبة القبلية لمجتمع جنوب السودان ستظل هي الرهان الأساسي لنجاح دولتهم وازدهارها واستفادتها من كافة مواردها الطبيعية، وذلك في حال نجح التكنوقراط والسياسيون من ابناء الجنوب في حسن ادارة ذلك التنوع العرقي وتوظيفه لمصلحة بناء الدولة مستفيدين من حالة توحد سابقة لتلك القبائل كانت ضد السودان ادت الى خوض الحرب لأكثر من خمسين عام حتى توصلوا في النهاية الى اتفاق نيفاشا في نيجيريا عام 2006، ذلك الاتفاق الذي اتاح لهم اجراء الاستفتاء الذي ادى الى قيام دولة جنوب السودان في 2011. كما ان التركيبة نفسها يمكنها ان تكون الرهان الأكبر في تفتيت الدولة وعدم استقرارها وتشتت شعبها وتبخر آمالهم في العيش في دولة ناجحة ومتجهة نحو النمو والتطور.
وعلي ضوء هذه التعقيدات في تركيبة المجتمع في جنوب السودان، فإن ما يحتاجه شعبها في الوقت الحالي هو ان تضع قيادته لنفسها منهجا واضحا يعتمد فلسفة القيادة الرشيدة في ادارة التنوع بعيدا عن الأطماع القبلية او الشخصية، خصوصا وان ذلك الشعب قد سئم الحرب وويلاتها ومن حقه ان يحيى حياة كريمة كغيره من الشعوب.