شراع .. “لا تخوفوا أحدا بالعملية البرية”
بيْد أن عدم الرغبة الأميركية في الدخول في حرب عالمية مع روسيا لا يفهم أن العلاقة بين الدولتين العظميين تعيش شهور عسل، بل على العكس من ذلك، فالولايات المتحدة مهتمة بكل ما من شأنه أن يواصل استنزاف الخصم الروسي وإنهاكه، لا سيما أنها تعتقد أن تلاعبها بأسعار النفط بدأ يؤتي أكله وتأثيره على الاقتصاد الروسي؛ ولذلك لا تمانع من التصرفات الصبيانية من ذيولها المشاغبة لاستنزاف روسيا وإرباك خططها ورؤيتها للحل السياسي في سوريا. كما أن الولايات المتحدة من خلال قبولها المشاغبة الفجة والخارجة عن حدود العقل والمنطق والدبلوماسية والقانون الدولي من قبل ذيولها إنما تسعى إلى توظيف هذه المشاغبة في تأجيج جذوة “فوضاها غير الخلاقة” في المنطقة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهي ضرب خصومها عبر من تسميهم تارة أصدقاء وتارة حلفاء، مع أنه في أبجديات الرأسمالية الأميركية المتوحشة لا يوجد صديق دائم ولا حليف دائم، وإنما مصالح دائمة وأهمية العمل والتدخل لتأمينها، سواء بالعمل العسكري وقلب الأنظمة أو بإثارة الفوضى والفتن، بالإضافة إلى تأمين بقاء كيان الاحتلال الصهيوني وتسيُّده في المنطقة.
في الحقيقة، لا تبدو تلك الأهداف الأميركية الاستراتيجية أقرب إلى التحقق من قبل مثلما هي عليه الآن، فالمشاغبة التي بدأها التركي ومن تلاه ووالاه، تمثل فرصة ذهبية لإحداث اختراق وتحول ما داخل سوريا ـ وفق ما يعتمل في العقل الصهيو ـ أميركي ـ من حيث إنه بإمكان توظيف هذه المشاغبة في ضرب الكل بالكل، وتفجير حرب طائفية وعرقية بامتياز، تستهدف اقتلاع مكونات سوريا متمثلة في (المكون الكردي والشيعي والمسيحي الأرثوذكسي)، على أن تتولى الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني وحلف شمال الأطلسي قيادة هذه الحرب الطائفية والعرقية من الخلف، بمعنى التكفل بإمداد المشاغبين بالسلاح وبالمعلومات، وتتابع من كثب المقتلة الجامعة على أرض سوريا والتي ستجر إليها رغمًا عنها ـ وفق التصور والمخطط الصهيو ـ أميركي) الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله وروسيا الاتحادية؛ ولهذا يخطط بعض المشاغبين في تدثير هذه الحرب برداء إسلامي مذهبي طائفي (السنة في مواجهة الروافض والصفويين)، لجر أرجل حلف شمال الأطلسي للتدخل، أي محاولة عمل غطاء إسلامي طائفي مذهبي على تدخل الحلف.
وبشيء من الموضوعية والعقلانية، فإن ما تنوي عليه أطراف في حلف التآمر والإرهاب على سوريا من تدخل لمساندة العصابات الإرهابية وإسقاط الحكومة الشرعية المنتخبة بكذبة محاربة “داعش”، بدون دخول مباشر من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يبدو متعذرًا، ذلك أن الذكاء العسكري للطرف المقابل ونعني به سوريا وحلفاءها، يتقن فنون الحرب والإيهام والإيقاع بالخصم، فضلًا عن الإمكانات العسكرية الهائلة، وبالتالي لن تعوزه ـ في تقديري ـ الحكمة في كيفية توريط الخصوم والمتحمسين والمشاغبين، كيف لا؟ وتبدو في الأفق رغبة في تلقين الخصوم درسًا لن ينسوه.
في تصوري، أن تصريحات ميدفيديف هي رسالة واضحة للولايات المتحدة قبلًا لتتولى بدورها نقلها إلى أتباعها، بأن الحرب ليست لعبة ولا نزهة، وأن موسكو مستعدة لها إذا ما أُجبرت عليها. ولعل إرسالها الطراد “زليوني دول” المجهز بصواريخ عابرة من طراز “كاليبر” رسالة واضحة تحديدًا لمريدي الحرب وغير مقدري تبعاتها وتداعياتها. ومن الواضح أيضًا أن موسكو تتجه إلى استخدام الصواريخ العابرة والمجنحة والتقليل من طلعات طائراتها، فهناك أنباء عن رغبة لدى مريدي الحرب في إمداد العصابات الإرهابية بصواريخ مضادة للطائرات، وبالتالي من الممكن أن يكون لهذا الطراد دور في حسم معركة الرقة وإدلب تحديدًا.
وما يلاحظ، أن روسيا الاتحادية في الوقت الذي تفاوض فيه وتخاطب خصومها بلغة العقل والمنطق والسياسة، تستعد لمشاغباتهم، سواء في سوريا أو داخل أراضيها وعلى حدودها؛ ولهذا خاطبهم ديمتري ميدفيديف في كلمة له أثناء مشاركته في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية بقوله: لا تخوِّفوا أحدًا بالعملية البرية”.